مدمر للعقل، مبدد للأموال، مهدد للصحة، موحش آثاره، إنه الإدمان بكافة الأشكال والأنواع، سرطان العصر، وكل العصور السابقة، انتشر حينما فقد الإنسان آدميته، وقرر تحويل استخدمات الأعشاب للعلاج، إلى تغييب للعقول، وامراض للابدان، وكعادة العصر، وكل العصور يأتي البطل المنقذ ليخلص قاطني مجتمعه من هذا البلاء الذي نزل بهم، ونقصد بذلك المعالج أو الطبيب، أو بمعنى أصح الأخصائي النفسي لعلاج الإدمان، من خلال مجموعة من الحلول العملية والموضوعية، التي برمتها يستطيع من خلالها معالجة من أصيب بالإدمان، وكعادة أى حرب يتطلب الأمور مجهودات من عالية ونفس عميق لمتابعة رحلة العلاج المكثفة التي قد يخطئ المريض به الف مرة، ويصيب مرة أو أكثر، وفي هذا التقرير تلقي مدونة “أرزاق” الضوء على هذه الوظيفة وتستعرض أراء مختلفة من المجتمع؛ ماذا لو عرض عليك هذه الوظيفة؟
طبيعة وخطورة الوظيفة
أكد محمد بدر، طبيب نفسي مختص لعلاج الإدمان، بمستشفي البدر للطب النفسي وعلاج الإدمان، على الأهمية الكبيرة لمصحات الطب النفسي في المجتمع، وكذلك الدور الكبير الذي يقوم به الطبيب المختص لعلاج الإدمان من خلال خفض معدلات الجريمة وبالتالي المساعدة في نمور وتطور اقتصاد الدولة، مساعدة المدمن على الشفاء التام بطريقة سليمة يكون قادراً من خلالها على مواجهة الحياة والعيش بطريقة سوية.
وقال أن هناك معايير لتأمين أطباء المصحات من المدمنين،من خلال عدم التعامل الأولى مع المريض في بداية رحلتة عن قرب، وإذا اضطر أحد الأطباء لذلك فيصاحبة فريق مدرب لحمايته من أى هجوم قد يتعرض له من قبل المريض، وكذلك هناك نافذة حديدية يتخللها جدار بلاستيكي لعدم عزل الرؤية عن المريض، وهناك اجراءات لحماية المريض ذاته من خلال جعل كافة الأواني الخاصة بالطعام والشراب بلاستيكية ذات استخدام واحد، ومنع دخول أى أداة من الأدوات الحادة.
ترخيص مزاولة المهنة
وأوضح أن الدولة تقوم بتوفير تراخيص للطبيب الراغب في العمل في مجال الإدمان، على الرغم من صعوبة الحصول عليه في البداية إلا أنه يصدر بشكل مستمرولا يتم إغلاق باب الترخصيات أمام الراغبين في الحصول عليه، إلا أن هناك أزمة فعلية وهي غلاء المقابل المادي للحصول على ترخيص لمزاولة المهنة فيضطر الأطباء إىل اللجوؤ للمزالوة غير المرخية مما يعكس مجموعة من الآثار السلبية.
التأهيل الأكاديمي والعملي
وأضاف أن بداخل كل مصحة إدمان يوجد ضوابط يقوم الأطباء بالعمل عليها، مثل القانون رقم 71 لسنة 2009 الذي يقوم على رعاية المريض النفسي ومرضى الإدمان، وأنه يجب على الطبيب الراغب بالعمل في مجال الإدمان أن يتوافر لديه الخبرة المهنية والعملية ويكون حاصل علي درجة الماچستير، وحينما يدخل مجال العمل الفعلي لابد له من الحصول على الخبرات الواسعة من الأطباء القدامي وكيفية تعاملهم مع المرضى، ومن ثم سيصبح بإمكانه معرفة ما يدور داخل عقل المريض وذلك للحصول على مفتاح التشخيص السيلم.
المجهود الفعلي مقابل المادي
وتابع أن هذه المهنه لا تحقق الربح المادي الكبير بالنسبة لمدى الجهد والضغط الذي يقوم به الطبيب، وأن الطبيب يقوم بامتصاص الشحنات السلبية من المريض، وأن هذه المهنة لا تقارن في المجهود بي أي مهنة أخرى، أما بالنسبة للتوظيف فيختلف بين دوام جزئي وكلي علي حسب اللوائح الداخلية لكل مؤسسة.
الرحلة صعبة
بدورها، قالت عنان رضا، خريجة كلية اللغات والترجمة، والصحفية بموقع بالجول، أنها لا تمانع العمل في هذا المجال مطلقًا، بل تعتبرها فرصة لمد يد العنون والمساعدة للمريض، وتضيف أنها لا تهتم بقدر المقابل المادي سواء أكان قليل أم كثير، بل كل ما يشغل اهتمامها هو الشعور بأنها استطاعت اعطاء الحياة مرة آخرى لمن لا حياة له.
وتابعت أنها بالإضافة لذلك فإن المهارات والخبرات التي ستكتسبها من جراء ذلك الأمر ستفيدها في حياتها بشكل فعال، بالأضافة إلى أنها حينما ستساعد شخص ما سيكن لها شعور بالامتنان، وهذا الشعور سيتحول لديها إلى ثقة كبيرة بالنفس خاصة حينما يخرج من محنته فلن يكون انتصار له فقط، بل ولها أيضا.
كما أن التجربة التي ستمر بها خلال رحلة العلاج التي تتصف ملامحها كصعود الجبل والهبوط، ثم الصعود والهبوط، حتى الوصول إلى القمة التي تمثل الشفاء، يمثل هذا الأمر اختبار للصبر الذي أمتلكه، وكذلك مغذي لشعور مد يد العون للمساعدة على تخطي تلك التجربة، حتى يتساءال المريض كيف كان وكيف أصبح بفضل تلك المساعدة.
وحينما يمتثل الشخص للشفاء سيكون نموذج وقدوة لمرضى أخريين، ودافع للعلاج حتى يصبحوا مثله خصوصا وأنهم سيكون لديهم ذات المشاعر لأنهم مروا بذات التجربة، وبالتالي فإن هذا الأمر لديه أبعاد كثيرة وهذا المجال محبب بالنسبة إلى تعلمه.
ما بين القبول والرفض
قالت أميرة خميس، طالبة في كلية الآداب جامعة الأسكندرية، أنها منذ مدة طويلة كان لديها رغبة في الالتحاق للعمل في هذ المجال، وحينما علمت أنها تتطلب مجهود كبير تراجعت عن ذلك الأمر على الأقل في الوقت الحالي، وفي المستقبل إذا عرض علي العمل في هذا المجال سأوافق بالطبع وأغير رأي مرة آخرى، وذلك لأهمية تلك الوظيفة في تغيير حياة الأفراد إلى الأفضل والنجاة من مستنقع الأدمان بعلامة فارقة في حياة المريض.
واتفقت رحمة أحمد، طالبة في كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، مع حديث أميرة خميس، قائلة أنها في البداية ستكون مترددة من العمل في هذا المجال خوفًا من هجوم المرضى عليها الذي قد يصل إلى القتل، ولكن في عموم الأمر فإنها لديها رغبة في المساعدة ولكن مع توفير اجراءات أمنية تحميها من أى مخاطر أو أضرار قد تلحق بها.