بعد استطلاع رأي العديد من الأساتذة وطلاب قسم الصحافة حول أزمة تناقص الأعداد وأسبابها داخل كليات الإعلام في الجامعات المصرية يظل السؤال قائمًا “هل تواجه مهنة الصحافة خطر الانقراض؟”، وفي إطار الإجابة عن السؤال أجرت مدونة أرزاق حوار مع أ.خالد البلشي، نقيب الصحفيين؛ لاستطلاع رأيه باعتباره نقيبًا للصحفيين حول مستقبل وتطورات مهنة الصحافة، وهذا ما حاول البلشي الإجابة عنه من خلال الإجابة عن الأسئلة التي تعرض لها في الحوار، وإليكم نص الحوار.
يعد الذكاء الاصطناعي على قمة التحديات التي تواجه مهنة الصحافة وتهدد بقائها، كيف نواجه هذه الأزمة؟!
إن الذكاء الاصطناعي ثورة معلوماتية وعملية تطور طبيعي لابد أن تحدث، فالوقوف عند شكل معين تهديد أكبر للمهنة بل قد يؤدي لانقراضها، ولكن هذا التطور التكنولوجي يحتاج إلى تطور من نوع آخر متعلق بالصحفي، فالصحفي إذا لم يواكب التطورات التكنولوجية الحديثة سينتهي، فمهما هيمن الذكاء الاصطناعي لن يستطيع أن يحل محل البشر؛ لأن صناعة المعلومات ستظل من اختصاص البشر وسيظل هناك احتياج أساسي لوجود وسيط بشري، وستظل هناك مساحات إنسانية البشر هم مَن يتحكمون فيها، والتكنولوجيا تخلق بدائل وظيفية أخرى بطبيعة الحال، ولكن البعض يخشى التطور ظنًا أن الصورة البدائية أكثر جمالًا، ولكننا ننظر إلى هذه الصورة دون مشاهدة المعاناة التي تحملها، فالتطور التكنولوجي دوره أن يلغي المعاناة لصالح رفاهية أكثر للبشر وهو ما علينا تداركه في مهنة الصحافة.
هل يمكن أن يشهد مجلس نقابة الصحفيين مستقبلًا تدخل من قبل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قرارات النقابة؟!
هو أمر مستبعد ومن الصعب أن يحدث؛ لأن مجلس النقابة هو تفاعل يومي ما بين الصحفيين وبعضهم البعض، فالأمر ليس مجرد وظيفة تؤدى بصورة ثابتة وصارمة، بجانب أن هيمنة الذكاء الاصطناعي على نقابة الصحفيين يعني أن البشرية تحولت إلى روبوتات، وأنا لا أعتقد أن هذا التصور يمكن أن يحدث، فنحن نسعى إلى تطور تكنولوجي مع الحفاظ على الجانب الإنساني وهذا هو النضال الإنساني من أجل عالم أكثر جمالًا وإنسانية وكذلك أكثر تقدمًا.
ما رأيك في تعليق البعض على أزمة الصحافة الورقية بأنها في مرحلة احتضار؟!
أنا لا أمانع من وداع الصحافة الورقية؛ لأن الأهم بالنسبة لي من الصحافة الورقية مهنة الصحافة واستمراريتها، فمهنة الصحافة غير مرتبطة بشكل معين؛ لأن دورها الرئيسي الإخبار والتثقيف، وهو احتياج إنساني غير متوقف على قالب معين، وعلى الجانب الشخصي مررت بتجارب صحفية عديدة سواء ورقية أو إلكترونية أو تلفزيونية، فمسألة وداع صحيفة بالنسبة لي يعني إغلاقها وهى تجربة عايشتها كثيرًا، فما يجب قوله هنا أننا علينا أن نطور الأداء والمحتوى بطريقة مختلفة؛ فالأزمة في مصر ليست أزمة ورق بل أزمة محتوى؛ فنحن لا نعبر عن الناس، وأعني هنا أننا نعاني من أزمة حرية في التعبير عن الناس، فالقارىء يمكن أن يتجاوز أزمة الورق وارتفاع ثمن الصحيفة ويقوم بشرائها إذا عبرت الصحيفة عن همومه ومشكلاته الحقيقية، لكن الصحيفة لا تقدم ما يعبر عن القارىء فلماذا يشتريها؟!
اتجهت الصحف الغربية لتقديم الأخبار الإلكترونية بشكل مدفوع لحل الأزمة الاقتصادية، رغم أنها الأكثر حرية، ما تعليقك؟!
تعمل الصحافة على تقديم خدمة للمجتمع، وهذه الخدمة يمكن أن تكون مدفوعة، والصحف الغربية لجأت لهذا الأمر؛ لتراجع الإعلانات فبالتالي أصبح المحتوى مدفوع لتغطية التكلفة، والصحافة دائمًا خدمة مدفوعة، ونحن نبيع إصدارات الصحف بنقود، فالصحافة صناعة لها أساس اقتصادي نسعى لتغطيته، والأهم من الدفع هو المحتوى الذي يجذب القارىء؛ ليدفع من أجله، فنحن إذا طبقنا نفس النظام في مصر سيدفع الناس إذا وجدوا المحتوى المقدم يستحق الدفع، والقارىء لن يدفع من أجل سلعة يشوبها الكثير من العيوب، وغير قادرة للتعبير عنه، فالقارىء تهمه المعلومة أولًا.
ما مصير العاملين في طباعة الصحف وإخراجها إذا تم إغلاق الصحف الورقية؟!
الطباعة لن تتوقف، ربما تتوقف طباعة الصحف لكن المهنة تطور من نفسها بطبيعة الحال، فمثلما هناك وظائف تنتهي هناك وظائف أخرى تولد وتحل محلها، فقديمًا كان لدينا في مهنة الصحافة “عامل الصف” وكانت وظيفته وضع الحروف بجانب بعضها البعض، هذه الوظيفة تطورت ولم يعد هناك وجود لهذا النوع من العمل، وكذلك الكمبيوتر حل محل وظائف عديدة كان يقوم بها البشر، فالتكنولوجيا تخلق وظائف جديدة، والأهم من حماية بعض الوظائف من الانقراض أن نطور منها ومن أنفسنا لمواكبتها، وحتى مطابع الجرائد العريقة ستتحول في يومٍ ما إلى تراث، فالأهم من الحفاظ على التراث الصحفي أن نطور الصحافة والصحفيين؛ لأن مهنة الصحافة هى مهنة تعمل على نقل المعلومات وهو احتياج إنساني لن ينقرض.

كيف نطور من مهنة الصحافة حتى لا تنقرض؟!
بالتعليم والتدريب المستمر، ونحن فقدنا التدريب المؤسسي؛ لأن الصحافة تحولت إلى صحافة بيانات فيجب أن يكون هناك تدريب مستمر ومتواصل، ومؤسسات حقيقية ومتنوعة وحرية في التعبير؛ لأن المهنة مرتبطة بالتدريب المستمر الفعّال، فجزء أساسي من نجاح التدريب الممارسة الفعالة له وهو ما تقوم به نقابة الصحفيين في “دورة أساليب التفكير والدراسات المستقبلية”، وأيضًا خروج أنماط صحفية مثل صحافة المواطن وهى عنصر قوي لاستمرار الصحافة لكنه يحتاج إلى تدريب وإثقال ومناخ لضبطها من أجل تقديم محتوى جيد ومنضبط وحر؛ فاستمرار الصحافة مقترن بالحرية والمحتوى الذي تقدمه الصحيفة، فحتى ظهور السوشيال ميديا يعد مظهر من مظاهر الصحافة، ولكن مهمة الصحافة هنا أن تجعل المعلومات أكثر عمقًا ويتم تقديمها بصورة مهنية.
كيف ترى العلاقة بين الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي؟!
أرى أن العلاقة بين الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي في حالة تنافس وتكامل، ولكن قيمة الصحيفة ستبقى؛ لأنها تقدم معلومة موثقة وأكثر عمقًا، فبعض الصحف تحولت إلى أرشيف لمواقع التواصل الاجتماعي، وعلينا كصحف أن نطور من مصادرنا؛ للوصول للجمهور ولتقديم محتوى متميز عما نجده على مواقع التواصل الاجتماعي، والقول بأن المحتوى المرئي الشائع سحب البساط من المحتوى المكتوب غير صحيح؛ لأن الكتابة أداة إنسانية وستظل موجودة طوال الوقت، وقيل قديمًا أن الإذاعة ستلغي الصحافة والتلفزيون سيلغي الإذاعة، وفي النهاية استمرت الصحافة واستمرت الإذاعة. واستمر التلفزيون.

إلى أي مدى أثرت الحروب العالمية وأزمات المناخ على صناعة الصحافة؟!
الصحافة واكبت الحروب العالمية وقفزت قفزة كبيرة؛ لوجود احتياج إنساني في التعرف على أخبار الناس، فالكوارث والثورات تزيد توزيع الصحف وتجعل الصناعة تزدهر، ففي حرب العراق كانت أخبار الحرب ثقيلة على الناس في ظل احتياج لمعرفة الأخبار، وكذلك ثورة يناير صاحبها توزيع ضخم للصحف وإقبال ضخم على معرفة الأخبار؛ لأن الإعلام هو الشكل المتكامل لكل الخدمات من إخبار وتثقيف وترفيه دون أن يطغى شكل على الأخر، فربما يسأم الناس من أخبار الحروب ويطلبون محتوى أكثر رفاهية ولكن لن تنتهي حاجة الناس لمعرفة الأخبار، ودور الإعلام هنا أن يُلبي احتياجات جميع الأطراف.