مما لاشك فيه أن العمل الحر يتمتع بالكثير مما يميزه عن باقي الأعمال، وخاصةً إن قمت باختيار المجال المناسب لك وفق إمكانياتك، ولكن كأي عمل آخر لا يخلو من مساوئ التي يغفلها الكثير، في حين أنها قد تشكل مشاكل جوهرية لدى المستقل حيث لا يمكن لأي شخص التأقلم معها، ويمكن تقسيم مساوئ العمل الحر إلى ثمانية حسب تصنيف إسماعيل عرفة، كاتب وفريلانسر.

المشكلة الأولى:
هذا النمط لا يصلح لجميع الناس، ومن ثم فإن الدعوة إليه باعتباره الخلاص من الأزمة الاقتصادية هو نوع من التضليل، لأن الإنسان يمكنه استنزاف سنين في تعلم مهارة معينة كفريلانسر ثم يكتشف أنها غير مناسبة لتركيبة عقله أو شخصيته.
هل هذا معناه أن الإنسان لن يحصل على أجر إذا تعلم مهارة معينة غير مناسبة لشخصيته، لا بل سيتعلم ويحصل على أجر متواضع لكنه لن يستطيع التطور ولا التقدم في هذا السوق، وبالتالي لن يكون هذا العمل كافيًا له لتوفير لقمة عيشه الكريمة.
فالشغف والاهتمام ليسا المحددين للعمل الملائم للإنسان، فما يستطيع أن يتقنه الإنسان شيء، وما يحب أن يتقنه شيء آخر قد يجتمعان وقد يفترقان، ربما يحب المرء التصميم لكنه لا يجيده، ربما يحب الكتابة لكن قلمه ضعيف، وهكذا ولذا فمجالات الفريلانسنج ليست مناسبة لكل الناس.
المشكلة الثانية:
هي ما يمكن أن نسميها بوهم المرونة المطلقة، فهناك فكرة شائعة أن العمل كفريلانسر يضمن لك عملًا متى أردت، فإذا أردت ألا تعمل في هذه المنصة فيمكنك العمل في منصة أخرى بكل يسر، والحقيقة أن هذه المرونة المطلقة هي محض وهم، ففرص الفريلانسرز ذات الدخل العالي نادرة ومحدودة جدًا مقارنة بالفرص العادية التي يمتلئ بها السوق.
فالمرونة المطلقة في هذا المجال أشبه بمهندس يعمل في شركة تقدّر خبرته ذات ال 15 عامًا ثم يستقيل ويذهب إلى شركة تطلب مهندسًا بخبرة سنتين، سيكون هناك فارق كبير في الأجر بين الشركتين، ولا يمكننا أن نقول أن شهادة هذا المهندس أعطته مرونة في السوق.
المشكلة الثالثة:
من مساوئ العمل الحر هي انعزال الشخص عن العلاقات الاجتماعية التي تنمي إدراكه ومهاراته، ومعنى هذا ان الفريلانسر ليس له أصدقاء عمل ولا زملاء مكتب، فهو فقط يسلم مهامه ويستلم أجره دون تواصل مع غيره إلا في حدود ضيقة جدًا.
والنتيجة هي قلة احتكاك الشخص بالتجارب الحياتية، خصوصًا مع ضعف الروابط الأسرية، مما يؤدي برأيي إلى تأخر في نضج شخصيته وعقليته، فانقطاعه عن خبرات زملائه في الحياة يبطئ إدراكه لكيفية التعامل مع أزماتها ومشاكلها.
أما في العمل العادي فيمكنك أثناء عملك تسلية وقتك بالحديث مع زملائك عن أي نوع من المشاكل التي تتعرض لها، وعليه ستستفيد من خبرات من حولك، وتكتسب علاقات جديدة، على عكس العمل من المنزل فأنت محروم من ذلك كله.

المشكلة الرابعة:
مشكلة الاتصال الدائم بشبكة الإنترنت، فمن المقولات التي يتم ترديدها هي أن الفريلانسر يمتلك توازن أفضل بين عمله وحياته الشخصية، وهذا الأمر عمومًا صحيح، لكن الاتصال الدائم بالإنترنت يجعلك دائم التواصل مع العمل ذهنيًا، حتى وإن سلم مهامه فإنه يبقى طيلة الوقت مستعدًا لتلقي عمل آخر أو منتظرًا لأوامر جديدة.
وهذا الأمر مرهق جدًا، وقد يكون أكثر إرهاقًا من العمل لساعات محددة، فحضورك الذهني مع العملاء والمديرين يرافق يومك 24 ساعة، وحل هذه المعضلة برأيي بسيط وهو تحديد وقت صارم للعمل بحيث أنه لا تواصل ولا اطلاع على أي عمل بعد هذا التوقيت، ولكن رفاهية تحديد وقت معين للعمل ليست متاحة لكل الفريلانسرز، خصوصًا للمبتدئين.
المشكلة الخامسة:
مشكلة أخرى من مساوئ العمل الحر هي المماطلة الشديدة لبعض العملاء في إرسال الأجر، أو حتى إذا وصلك المال فكثيرًا ما يبخسون حقك، لذا يستغل العملاء ذلك لعلمهم أنك لا تملك سواء الموارد الكافية لمقاضاتهم أو عقدًا رسميًا لتقديمه في أي جهة قانونية، وهناك إحصائية تقول أن 8 من كل 10 فريلانسرز تعرضوا لموقف رفض فيه عميل ما الدفع للفريلانسر، ربما تظل شهور وربما سنة كاملة من أجل أن يصل إليك أجر عمل ما.
إذ إن كثير منهم يعتقدون أنك تتقاضى أكثر مما تستحق، ولا يظنون أنك أديت ما عليك، ويطلبون تعديلات وراء تعديلات، وساعات عمل إضافية، ويبدون ملاحظات على عملك تستغرق منك إعادة العمل من الصفر، ثم في النهاية لا يعطون لك أي مقابل على هذا الجهد الإضافي.
المشكلة السادسة:
نقل تكلفة تشغيل العمل من صاحب العمل إلى العامل، بمعنى أن صاحب العمل بعدما كان مطالبًا بتوفير مقر للعمل ومعدات ومكاتب مجهزة وشبكة بنية تحتية جيدة، بالإضافة إلى رخص تجارية خاصة للأجهزة، أصبح يقع ما هذا على عاتق العامل نفسه.
ليجد نفسه الآن مطالب بتوفير كافة احتياجاته كما أنه يعمل في شركة، بدءًا من شراء لابتوب ومكتب وكرسي صحي مناسب للعمل لساعات، وصولًا إلى اشتراكات خاصة بمواقع معينة يحتاجها عملك وكذلك تكلفة الاشتراك في كورسات تنمي مهارتك التي لن يعلمها لك مديرك في العمل.
وهذا يعني أن الفريلانسر سيحتاج إلى غرفة خاصة في منزله للعمل منها، وإن لم يتمكن من العمل هكذا قد يحتاج إلى البحث عن مكان آخر مناسب، وهذا يتطلب تكلفة إضافية لإيجار الشقة، وتجهيز الغرفة لتلائم بيئة عمله، ومن هنا ينبغي على الفريلانسر أن يأخذ كل ذلك في الاعتبار عند تحديد أجر عمله.
المشكلة السابعة:
من أخطر المشكلات التي قد تمر عليك في العمل الحر وخاصةً إن كنت تعمل من المنزل، وهي المشاكل الصحية التي تتسبب فيها جلسة المكتب المطولة، فالآثار الخطيرة للجلسات الغير صحية مدمرة والمشكلة أنها لا تأتي في بداية عملك وإنما تظهر بعد سنوات.
والحقيقة أني لم أنتبه لهذا الأمر في بداية عملي كفريلانسر فقد كنت أعمل من السرير أو على كراسي عادية وهي جلسات غير صحية على الإطلاق، لذلك أنصح الفريلانسرز بضبط مكتبهم صحيًا بأي تكلفة كانت، فلا شيء أغلى من صحتك.

المشكلة الثامنة:
المشكلة الأخيرة من مساوئ العمل كفريلانسر، هي أن بعض المديرين لا يفهمون طبيعة العاملين لديه، وبالتالي فهو يرى العامل دائمًا مقصر، ودائمًا يطلب منه تعديلات على عمله ويلومه على قلة مجهوده، بل ويحمّله أعباء إضافية زيادة على عمله الأصلي من أجل أن يستحق راتبه.
ومن ناحية أخرى يرى المدير أنه من السهل الاستغناء عن هذا العامل في أي وقت، إلا أنه لا يملك أدنى فكرة عن صعوبة تعلمه لفنيات وتقنيات أنفق فيها سنوات من أجل تعلمها.
هذا النمط من المديرين تجدهم يتعاملون مع العمال بكل وضاعة وينظرون إليهم نظرة عبودية يخدمون المدير بالقطعة أو بالساعة، في حين أن بعضهم لا يفقه ربع ما يفقهه ذلك العامل في مهنته.