في إحدى بنايات مدينة الحوامدية بمحافظة الجيزة في الدور الخامس تحديدًا انطلق مشروع مكتبة الاستعارة ب200 كتاب حتى امتلأت أرفف المكتبة بآلاف الكتب في شتى المجالات، في رحلة شيقة يقصها “إسلام الصاوي” مؤسس مشروع مكتبة الاستعارة لمدونة أرزاق.
كيف بدأت مشروع مكتبة الاستعارة؟
عندما توفي صديقي في 13 مارس 2017، قررت أن أطلق مبادرة للقراءة كصدقة جارية له، فبدأ الأمر بشراء عدة مصاحف، ثم اشتريت 200 كتاب، حتى يكون باب خير أكبر ويتضاعف له الثواب، ثم بدأت أعرض الفكرة على مَن حولي، وبالفعل تحمسوا للأمر واستطعت أن أحصل على 1500 جنيه تبرعات، ساعدتني في شراء 70 كتاب في مجالات مختلفة سواء روايات أو أدب أو كتب دينية، ومن هنا انطلقت الفكرة في عمل مؤسسة ثقافية تعيد الناس للقراءة من جديد، وتساعد غير القادرين على شراء الكتب، فتحفزهم على القراءة، فنحن كأمة إسلامية وأمة دينية، أول آية نزلت في القرآن كانت “اقرأ” ومع تغير الأزمنة، أصبح الناس يتهافتون على الأشياء السريعة، بينما القراءة عملية تتنافى مع هذه السرعة، لأنها نشاط تدريجي ومنهجي، ولذلك نعرض الروايات كمبدأ تدريجي للقارىء، حتى يتطور لقراءة الكتب الهادفة، عندما يمتلك النضج الكافي، فهدفنا الأساسي هو القراءات النافعة.
ما أبرز المحطات التي مرت بها مكتبة الاستعارة؟
لقد مرت المكتبة بالعديد من المراحل الانتقالية، حيث بدأ الأمر بوضع الكتب على الطاولات الخشبية، وكانت الناس تقبل لاستعارتها، من خلال تسجيل أسمائهم وأرقامهم فقط، لكن وجدت العديد منهم لا يحافظ على الكتب مما يعرض الكتب للتلف دون تعويض، فقررت أن أطور الفكرة، وأعلنت عن ضرورة إحضار البطاقة الشخصية لمَن يريد الاشتراك في المكتبة، ولكن لم ألقِ الجدية المنتظرة، فوضعت اشتراك رمزي سنوي بمقدار 30 جنيه في السنة، ولكن ظل البعض يتأخر في إعادة الكتاب للمكتبة، فبدأت أفرض غرامات على مَن يتأخر في إعادة الكتب.
والآن لم تعد المكتبة نشاط متخصص في قراءة الكتب فقط وإنما أصبحت تضم العديد من الأنشطة الثقافية الأخرى، حيث أصبحت المكتبة كيان له قدسيته الخاصة كملك يخدمه مستشاريه، ففكرة المكتبة ليست جامدة، وإنما تحمل قدر كبير من المرونة التي تجعلها قابلة لمزيد من الأنشطة، فنحن نقوم بعمل استفتاء لقرّاء المكتبة ومحبيها، وما يطرحوه علينا من أفكار لأنشطة جديدة، نأخذها ونتشاور فيها، ثم نقوم بتنفيذها إذا وجدناها لا تتعارض مع قواعد المكتبة، فنحن الآن نقوم بعمل مجلة وقناة صوتية لتسجيل الكتب والمقاطع والأشعار، بالإضافة إلى الأنشطة التعليمية المدعمة في الإجازات الصيفية.

ما أبرز العوائق المهددة لاستمرارية المشروع؟
هناك العديد من العوائق التي تهدد مشروع المكتبة، وأبرزهما العائق المادي ودعم الناس، لأننا عندما نعرض فكرة المكتبة على البعض، لا يقدمون لنا الخدمات الكافية؛ لأن الجميع ينظر إلى مصلحته الذاتية ولا يهتم بخدمة المجتمع، بالإضافة إلى نشر الفكرة بين الناس، فالبعض يُعجب بالفكرة لكن القليل مَن يروج لها، فأنا أكافح حتى أضع المكتبة في أولوياتي في الحياة، ولكن تبقى أكثر مخاوفي، أن يأتي يوم ولا أجد دعم من أحد سواء من الناس أو المؤسسات، فالأفكار تموت إذا بقيت منحسرة في فرد واحد فقط، ولذلك أحاول أن أعرف الناس بالفكرة، وأن أخرج بالمكتبة من مدينة الحوامدية حتى تجد اهتمامًا أكبر سواء على أرض الواقع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فطموحي أن تصل المكتبة إلى كافة المدن المصرية وليست المحافظات فقط، ثم تصل إلى الدول العربية، حتى يستطيع الجميع أن يقرأ وإن لم يكن باستطاعته شراء الكتب، وربما لا أرى هذا النجاح بعيني، ولكن يكفي أن أكون أنا أول مَن بادر بالفكرة، فمكتبة الإسكندرية بدأت بفرد، ثم أصبحت أحد أهم المكتبات على مستوى العالم، وطموحي أن أصل إلى العالمية.
كيف تتجاوز العقبات التي تواجهها؟
كلما اتسعت رقعة المشروع زادت العقبات ومن أصعب العقبات التي نواجهها الآن هى التطوير الذاتي لمتطوعي المكتبة؛ فالمعظم يتطوع من أجل اكتساب مهارة ثم ما يلبث أن يغادر العمل؛ لذلك نبحث عن أكبر عدد من المتطوعين مؤمنين بالفكرة؛ لضمان الاستمرارية، فالمكتبة في أساسها مشروع ثقافي غير هادف للربح، لذلك نعمل على هيكلتها بشكل مؤسسي من خلال وجود قائد عام يُشرف على كل فريق متخصص في نشاط محدد سواء تسجيل الكتب أو المجلة أو مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حالة وجود أي مشكلة نقوم بطرحها بيننا ويقترح كل فرد في الفريق حل لهذه المشكلة، ففي الآونة الأخير كنا نواجه مشكلة شراء الكتب المطلوبة؛ بسبب ارتفاع أسعار الكتب، فاقترح البعض أن نقوم بعمل رحلة ونشتري الكتب بالربح العائد لنا، والبعض الأخر اقترح أن نعلن عن فتح باب التطوع لشراء الكتب، وقررنا في النهاية عمل الرحلة وبالفعل استطعنا شراء الكتب.
ما أهم إنجازات مشروع مكتبة الاستعارة على مدار ست سنوات عمل؟
يعد أهم إنجاز هو اتساع رقعة المكتبة، فلم تعد منحسرة في مدينة الحوامدية بل أصبحت تهيمن على منطقة جنوب الجيزة بمدنها المختلفة، وإنجازات المكتبة بدأت بعد عام 2019 فقبل ذلك لم تكن فكرة المشروع واضحة، ونحن الآن لدينا أكثر من 500 عضو في المكان مع تحقيق أكثر من 5000 عملية استعارة على مدار الثلاث سنوات الأخيرة، بجانب إنشاء استوديو خاص؛ لتسجيل الكتب الصوتية وإطلاق برنامج بودكاست، ومن أبرز الإنجازات إصدار 12 عدد من مجلة “كيان المعرفة” الصادرة عن مكتبة الاستعارة، بالإضافة إلى تكوين فريق متخصص في التدقيق اللُغوي والنقد الأدبي، وأنا فخور بمجهودات فريق المكتبة وبكل ما حققناه من إنجازات.
