بعينين شاردتين وجسدٍ نحيل وتجاعيد حفرت تاريخ 71 عامًا من الزمن يجلس سيد محمد أحمد في ميدان التحرير يبيع الصُحف للعامة، شاهدًا على أحداث غيرت مجرى الأُمة.
يعرف الحج سيد كما يألف مناداة البعض له، بأنه سيد محمد أحمد، ٦٠ عاما خاضها في مهنة بيع الصحُف، “بدأت حكايتي مع بيع الصحف عندما كان عمري 11 عامًا كنت أخرج من مدرستي الابتدائية متوجهًا إلى أبي في ميدان التحرير لأساعده في بيع الصحُف وأقوم بتوزيعها على الناس، فأنا أعمل في هذه المهنة بالوراثة”.
أثار عم سيد فضول فريق مدونة “أرزاق” وحكايته المثيرة وسبب اختياره لمهنة بيع الصُحف دونًا عن غيرها من المهن “لم أختر مهنة بيع الصحف، إنما اختارتني هى” عندما أتى أبي من الصعيد إلى القاهرة سنة 1925 شرع في هذه المهنة وحينها التحقت بالمدرسة الابتدائية، وسرعان ما غادرت التعليم في المدرسة؛ لمعاونة أبي في بيع الصحُف”.
لم يكن حديث عم سيد عن بيع الصُحف مجرد حديث رجل عن مهنته، بل كحديث العاشق عن حبيبته، وهو ما استأنف به حديثه قائلًا: “عشقت المهنة؛ لأنها تمثل الثقافة في مصر، فكانت عملي الذي أحبه، وأنفق منه على أبنائي الخمسة، حيث ساعدتني أن أوصلهم إلى مراكز مرموقة، فأنا لي أربعة أولاد وبنت كلهم التحقوا بالتعليم الجامعي، ومنهم مَن حصل على شهادة الدكتوراة وسافر للتدريس في أوروبا، كل هذا صنعته من مهنة بيع الصحُف”.
قاطعنا عم سيد ونهض ليستأنف عمله ثم عاد إلى مكانه وهو يشير إلى الميدان بفخر مستعيدًا الذكريات شاهدًا على التاريخ “قابلت في هذه المهنة أعلام وشهدت أحداث غيرت مجرى التاريخ”، فقد رأيت الثورة وجمال عبد الناصر والسادات وشاهدت مؤتمر القمة العربية الذي عُقِد في فندق “نيل هيلتون” كما أنني التقيت بالملك حسين وصافحته.

وسرعان ما تحولت نظرة الفخر إلى حزنٍ وألم معبر عن تبدل الأحوال، وهو ما أوضحه عم سيد في قوله “ولكن الزمن يتغير، فلم تعد مهنة بيع الصحُف كما كانت”؛ بسبب دخول الإنترنت الذي أثر على بيع الصحُف الورقية، حيث أصبحت القراءات الإلكترونية تحل محل القراءات الورقية، فنسبة الإقبال على شراء الصحف الورقية والكتب أصبحت أقل؛ لأن الأجيال الجديدة ليست من هواة القراءات الورقية، ورغم ذلك لن يتوقف القرّاء عن شراء الصحف الورقية والكتب؛ فالقراءات الإلكترونية سريعة وغير كافية لإشباع نهم القارئ، ثم عاد العاشق إلى حالة دفاعه عن محبوبته متمسكًا بها ولا يأبه لوشاة العذّال مؤكدًا أنه لن يغير مهنته.
يختتم الرجل السبعيني قصته “قلة الإقبال على الصحف الورقية لا تعني أن الصحُف الورقية ستنقرض”؛ لأن الصحف القومية لن يُستغنى عنها فهى بمثابة عين الدولة، بجانب أن قارئ الصحف الورقية لازال موجودًا، بالإضافة إلى أن للمهنة أبواب أخرى يمكن استغلالها غير بيع الصحف الورقية، كبيع الكتب التعليمية للأطفال ومجلات الأطفال، ومهما تغير الزمن “لن أغير مهنتي حتى يتوفاني الله”.