شهد سوق العمل خلال الفترة الأخيرة تداخل بين الوظائف والمجالات المختلفة، وأصبح خريجي الكليات يسعون لإيجاد وظيفة دون النظر في مجال تلك الوظيفة أو ما تحتاجه من مهارات وقدرات محددة، ويأتي ذلك نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي جعلت الأشخاص يبحثون عن الأموال ليتمكنوا من مواجهة الحياة وصعابها، ومن أكثر المهن التي تشهد إقبال الجميع عليها هي مهنة التدريس، حيث انخرط الكثير من خريجي الكليات المختلفة فيها، فأصبحنا نرى خريج الكليات غير التربية يعمل بالتدريس وخريج كلية تربية لا يجد فرصته في المهنة التي درس من أجلها سنوات عديدة وكسب العديد من المهارات للعمل بها.
ويؤكد الكثيرون أن “السناتر” المخصصة للدروس الخصوصية هي السبب الوحيد لظهور تلك المشكلة، فهي غير مرخصة ولا علم لوزارة التربية والتعليم بأي معلومات عنها، وبالتالي لا تعرف الوزارة هل العاملين بتلك السناتر من خريجي كليات التربية أو ما يعدلها وهل هم مؤهلين لامتهان وظيفة المعلم، التي تعد من أهم وأخطر الوظائف فهي الأداة الرئيسية في تشكيل وتكوين فكر المجتمع من خلال تربية نشئ قادر على التنمية أو التخريب، كما توضح “أرزاق” تأثير امتهان خريجي الكليات المختلفة غير التربية على وظيفة المعلم وتأثيرها على مجتمعنا وأبنائنا.
وتوضح مروة سعيد خريجة كلية التجارة وتعمل في مهنة التدريس سبب أنها لجأت للتدريس، وتؤكد أن عدم إيجادها لفرصة عمل مناسبة في مجالات تخصصها ذات الصلة بكلية تجارة هو ما جعلها تلجأ لامتهان وظيفة المعلم، وترى أن كلية التجارة يتخرج منها الآلاف كل عام فكان من الصعب عليها إيجاد وظيفة تساعدها على الاستقلال المادي، فلجأت إلى وظيفة التدريس عندما وجدت كل من حولها يعمل بالتدريس وهم لم يحصلوا إلا على الشهادة الإعدادية، وأكدت أن عملها بالتدريس ليس جريمة فهي خريجة كلية ومؤهلة أكثر من غيرها للتدريس للأطفال.
وترى مروة التي تسكن بأحد القرى الريفية أن الأهالي بالقرى لا يتأكدون من هوية الشخص الذي يدرس لأبنائهم وأن الشهرة هي العامل الوحيد حتى يثقوا به، وأنها خريجة كلية فبدلًا من لجوء الأهالي لأشخاص لم يحصلوا على أي شهادة فهي تدرس لأبنائهم وتساعدهم فقط على التمكن من القراءة والكتابة ولا تدرس لهم المواد المتخصصة.
ويقول عبدالرحمن عصام خريج كلية تربية قسم لغة عربية ويعمل في وظيفة مختلفة عن مجال التدريس: “امتهان الكثيرين من خريجي كليات غير التربية أو ما يعدلها لوظيفة التدريس هو سبب عدم إيجادي لفرصة مناسبة للاستمرار في وظيفة المعلم، لقد عملت في أحد المدارس لمدة عام ولكن وجدت الوضع مزري ولم أتمكن من الاستمرار بوظيفة التدريس، حيث أصبحت التدريس مهنة للجميع، كما أن الراتب التي يحصل عليه المعلم لا يستطيع من خلاله بناء وتكوين أسرة ولا يتلاءم مع الوضع الاقتصادي الحالي، ويمكن لوزارة التربية والتعليم أن تساهم في حل تلك المشكلة من خلال إعادة التكليف لخريجي كليات التربية وإعطاءهم الفرص المناسبة وتنظيم عملية تعيبنهم”.
وأكمل عبدالرحمن: “لجوء الجميع لمهنة التدريس سبب لتضييق النطاق على خريجي كليات التربية، حيث يجدونها مهنة مربحة من خلال الدروس الخصوصية، والضرر الأكبر من تلك المشكلة يقع على الطلاب ويؤثر بالسلب على نشأتهم وعلى المجتمع ككل، فأصبحنا نرى طلاب لا تحترم المعلم ولا تبجله كما كان يحصل بالماضي، كما انتشرت العديد من المشاكل في مجتمعنا، لوجود خلل في هوية المربي أو المعلم فانتشرت العادات السلبية مما يؤدي لفساد المجتمع”.
وأشار الدكتور هاني الفقي أستاذ بكلية التربية جامعة حلوان إلى أن امتهان خريجي الكليات غير التربية لوظيفة المعلم هي من أخطر المشاكل التي تواجه مجتمعنا خلال هذه الفترة، موضحًا:” خريج كلية تربية أو ما يعادلها هو الشخص الوحيد القادر على العمل بمهنة التدريس، فالتعامل مع الطلاب لا يمكن أن يتم بشكل عشوائي ولكن يجب أن يقوم على نهج منظم، فالمعلم هو من يبني الأجيال ويغرس فيهم القيم الحميدة ويساهم في عملية التربية وليس التدريس فقط، وخريج كلية التربية درس في كليته ما يؤهله للقيام بذلك الدور، والتداخل في الوظائف التي يشهده مجتمعنا يؤثر بالسلب، حيث أصبح كل شخص يعمل في غير مهنته، وهذا لا يؤدي إلى النتائج المطلوبة، وكل شخص مؤهل للقيام بوظيفته بأفضل شكل “.
وتابع أنه من الضروري أن يكون هناك قانون واضح يجرم كل من يعمل في وظيفة مختلفة عن مجال تخصصه، وأن تعمل وزارة التربية والتعليم جاهدة على حل تلك المشكلة، التي تعد من أكبر المشاكل التي تواجه مجتمعنا، وهناك نص واضح في القانون المصري يجرم كل من يعمل في غير مهنته، وذلك بعقوبات تصل للحبس”.