قرية الفرستق لا تعرف معنى البطالة فلا يوجد بها شاب عاطل فالكل يعمل إما فى صناعة الفخار والخزف أو الدهانات أو الصناعات المكملة لهم، وتضم أكثر من 350 مصنع فى الفخار والدهانات والطوب السن والانترلوك.
يروي لنا “حمدي ابو جبل” نائب جمعية الفرستق للحرف اليدوية وصاحب مصنع الفخار بدايته في الحرفة ومدي حبه لها ، حيث أنه وراث المهنة عن والدة فمنذ نعومة أظافره وهو يعمل مع والده في الفخار حتي أصبح الآن يدير المصنع بالكامل ، ويحاول تطويره قدر المستطاع من خلال ادخال المكابس والماكينات الآلية والتوزيع والتصدير للخارج .
أما عن مراحل صناعة الفخار فأوضح أبو جبل أنه في البداية كان اعتمادهم الكامل علي طينه الاراضي الزراعية المصرية في صناعه إبرمة الطهي فقط ، ولكن مع الوقت استخدم الحرفيون أنواع اخري من الطين تأتي من جبال أسوان ، ومن ثم تدخل إلي المطاحن ، وكانت المطاحن في البداية موجوده في القاهرة فقط ولكن مع تطور الحرفة ووصول المصانع إلي حوالي 200 مصنع داخل القرية تم توفير المطاحن في القرية ، ويختلف كل مصنع عن الآخر فهناك مصانع متخصصة في التحف الفخارية والخزف ومصانع أخري لأدوات الطهي المنزلية.
وأكمل” أبو جبل ” : هناك مرحلتين لتصنيع الفخار ، المرحلة الأولي “مرحلة اليدوي” ويستخدم فيها الحرفي الدولاب لتشكيل القطع الفخارية ، بعد ذلك يتم جردها وتركها في الشمس لمدة 48 ساعة ، ومن ثم تدخل الي الفرن في درجه حراره 800 درجه مئوية ، ويتم دهنها باللون المطلوب سواء ( عسلي ، أحمر ، كحلي ) حسب رغبة العميل ، وفي المرحلة الأخيرة تدخل الفخاريات إلي الفرن مرة أخري في درجه حراره 1000 درجه مئوية .
والمرحلة الثانية” مرحلة النصف آلي” ويتم فيها استخدام المكابس لصناعة القطع الفخارية وهي طريقة حديثه وسريعة ، ولكن يظل الشغل اليدوي له قيمته الفريدة وروحه الخاصة ولمسة جمالية مختلفة ، فالأجانب والعرب يفضلون الفخار اليدوي المصري خصيصاً فضلاً عن أي نوع آخر .
أما عن المشكلات التي تواجه مصانع الفخار بالفرستق الخاصة بالتصدير فبحسب قول ” أبو جبل”
فالمصنع يصدر بالفعل ولكن بلا مقابل ، فمع وجود أكثر من 200 ورشه لا يوجد سوي 10 ورش فقط لديهم رخصة تصدير ، وذلك بسبب تصنيف مهنه الخزف كمهنة عالية المخاطر ، فرأس مال الورشة أو المصنع حوالي 100 ألف جنيه ، ولكن تراخيص المصنع بالشروط التي تفرضها الدولة تكلف حوالي 150 الف جنيه في حين أن معظم من يعمل بالفخار هم شباب حديثي التخرج لا يستطيعون سداد كل تلك التكاليف ، فنضطر للتصدير عن طريق شركات أخري .
وتابع ؛ هناك أيضًا مشكلة التسويق الجيد للمهنة وللقطع الفخارية فمهنة الفخار للأسف غير مقدرة في مصر علي الرغم من شهرتها العالمية في الخارج واقبال الأجانب علي شراء المنتج المصري خصيصاً لجودته العالية واختلافه عن أي منتج فخاري آخر بالإضافة إلي كونها منتجات آمنة وصحية 100٪ علي عكس البلاستيك
فنتمنى من الدولة الاهتمام بمهنة الفخار والنظر إليها كمصدر دخل أساسي للبلاد وكمهنة تحارب البطالة بشكل كبير جداً والتوسع في الترويج لها واعطائها الاهتمام الكافي.
وعلي الدولاب اليدوي التقينا بـ ” محمد أبو جبل ” مسئول التشغيل بالمصنع ، يشكل القطع الفخارية بمنتهي السهولة وفي وقت قياسي .
وعن سؤاله عن بدايته في المهنة قال : ” أعمل في تلك المهنة منذ أن كان عمري 11 عام ، حتي ادمنتها ، فكل البشر تنهي العمل كي ترتاح ولكني أذهب إليه لأجد الراحة والسلام النفسي ”
ثم أسهب : قريتنا تعتبر قرية نموذجيه ، بها حوالي 200 ورشة فخار ، تبدأ مراحل التصنيع بعجن الطين في المياه ثم نتركه لمدة 24 ساعة ، وبعدها يبدأ تشكيل الطين علي الدولاب ، ومن ثم نتركه في الشمس ويدخل بعد ذلك إلي الأفران ، وأسعار القطع في متناول الجميع ، والشغل صحي 100٪ ويصدر للخارج وخصوصاً للدول العربية .
واستكمل “الغاوي علشان يتعلم الشغل بياخد سنه ودي مدة قليله ، إحنا حرفيين وفنانين مش أي حد يعرف يطلع الشغل مظبوط “.
وبجانب الفرن وجدت “نورهان” ذات العشرون عاماً ، وفي الحقيقة لا أستطيع وصف مشاعري في ذلك الوقت مشاعر الفخر ممزوجة بالخوف والرهبة ، شابه مصرية في مقتبل عمرها تعمل في الفخار منذ عمر الحادية عشر ، تفعل مالا يفعله الكثير من الشباب الذين يظنون أنفسهم ضحايا للمجتمع والبطالة والمستوي الإقتصادى للبلاد ، وبجانبها الست ” أم محمد ” إمرأة مصرية مكافحة أو كما يقال عنها “ست بميت راجل ” تعمل في المصنع منذ سنوات عديدة وعند محاورتهن قالت نورهان ” انا بشتغل وبساعد بابا علشان اختي اتجوزت وعلينا فلوس من جهازها والباقي بشيله لجهازي علشان اتجوز ” وقالت أم محمد ” احنا بنشتغل هنا من8 الصبح ل8 بالليل وممكن نتأخر ل9 و10 لو عندنا طلبية كبيرة ، شغلنا بيكون عبارة عن أننا بندهن ماده علي الشغل علشان ميلزقش في بعض لما يدخل الفرن “.
والسؤال هنا : إلي متي سيسمي الفنانين في بلدنا بالصنايعيه والحرفيين ، متي سيُقدر هذا الفن وتُزال العوائق والصعوبات التي تواجهه لكي نضع الصناعات اليدوية المصرية علي الطريق الصحيح ؟