توظف شركات التكنولوجيا العالمية ملايين الموظفين، وتحتل مكانة كبيرة على مستوى العالم، ويزداد عدد روادها من دقيقة إلى أخرى إلا أنها انجرفت مؤخرًا في أزمات كثيرة ولعل أبرز تلك الأزمات هي عمليات تسريح الموظفين مما أثار العديد من التساؤلات بشأن أسباب تسريح الموظفين، والمعايير التي تضعها شركات التكنولوجيا عند تسريح موظفيها.
يقول السيد خضر، خبير اقتصادي، أن أهمية المشروعات التكنولوجية ازدهرت منذ بداية تداعيات أزمة كورونا، حيث ساهمت فى خلق فرص عمل جديدة، والتحفيز على الابتكار مما ساهم في تحسين المجتمع، وأن تلك المشروعات هي فعل يقوم به الفرد لبدء وتطوير أعماله التى تخصه سواء متوسطة أو صغيرة، وكيفية تحمل المخاطر ومتابعة الأفكار من أجل الوصول إلى الربح، وكيفية استثمار الوقت، واستقطاب مزيد من الفرص العاملة فى تلك الاستثمارات.
وذكر الخبير الاقتصادي أن البعد عن الوظائف الحكومية التقليدية من خلال الاستقلال والبعد أي قيد وظيفي معين، وزيادة هامش الربح يعد مصدر مهم لجني المال، وذلك يؤثر على المجتمع والاقتصاد القومى من خلال زيادة الفرص الاستثمارية التى تؤدى إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم انعكاسها على تحسن أداء النمو الاقتصادى والتنمية المستدامة.
خبير اقتصادي: عمليات التسريح تعتبر خطوة في طريق انهيار الشركات
وأوضح “خضر” أن عمليات التسريح حدثت بسبب العوامل المشتركة الضاغطة على القطاع أولها أن العديد من تلك الشركات عينت آلاف من الموظفين خلال جائحة فيروس كورونا استجابة للطلب المتزايد على خدماتها وأملًا في دوام أسلوب المعايشة الرقمي ولكن لم تكتمل تلك الرؤية بسبب تزايد حدة الصراعات والأحداث.
وأضاف “الخبير الاقتصادي” بأن هناك عدة عوامل سببت في تسريح الشركات لموظفيها، منها تراجع الإيرادات الخاصة بتلك الشركات وكيفية التعامل مع الأداء الصعب والتحديات والنتائج المخيبة التى يشهدها العالم حاليا ومع ما ستشهده 2023 والتي ستكون صعبة على أداء الشركات ومن ثم انعكاس ذلك على أداء الاقتصاديات العالمية والعديد من الشركات أخذت خطوات لتسريح العمال، إلى جانب أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستراتيجية نتيجة للمتغيرات الحالية على الساحة السياسية، وارتفاع معدلات التضخم المخيفة على الاقتصاديات هذا بدوره أدى إلى تراجعِ الإعلانات عبر الإنترنت، والمنصات الرقمية، كما أن بعض التغييرات في قواعد الخصوصية لدى شركات مثل “أبل” ضربت سوق الإعلانات بشكل سريع .
وفي مجال تكنولوجيا الخدمات المالية تلقت الشركات أيضا ضربة من ارتفاع أسعارِ الفائدة بسبب استمرار الفيدرالي الأمريكي برفع سعرالفائدة واتجاة العديد من دول العالم برفع الفائدة مما له تأثيرسلبى على أداء الأسواق ، كما أن المستثمرين زادوا من ضغوطهم على الشركات لخفض تكاليفها.
وأشار خضر إلى أن العديد من شركات التكنولوجيا قامت خلال جائحة كورونا بالاستثمارات للنمو على المدى الطويل، ولم تهتم بالربحية، قائلًا:”وأعتقد أن هذه الاستراتيجية انتهت تمامًا، ويجب على الشركات إعادة ترتيب أولوياتها والتركيز على المشروعات الأهم والمربحة”؛ لكي تستمر فى السوق العالمي وتحسن الأداء المالي؛ لأن المستثمرين لن يصبروا فترات طويلة حتى يرون نتيجة الاستثمارات، يجب أن يتخذوا القرارات الصعبة.
التنظيم والتغيير
وفي هذا السياق يقول الدكتور هاني أبو الفتوح، خبير الاقتصاد، أن الشركات التكنولوجيا تخضع بشكل منتظم لعمليات إعادة التنظيم والتغيير، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تسريح الموظفين، مشيرًا إلى أن تلك الشركات قد تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تسريح الموظفين، بما في ذلك التغييرات في احتياجات السوق والتكنولوجيا والمنافسة والاقتصاد، وحجم الشركة وشعبيتها والصناعة التي تعمل فيها وحالة الاقتصاد المحلي والعالمي.
ونوه الخبير الاقتصادي بأن إعلان شركات التكنولوجيا عن تسريح موظفيها يمكن أن يشكل خطرًا على مجال التوظيف إذا كانت هذه الشركات كبيرة ومعروفة وتعمل في صناعة تتطلب مهارات معينة. ففي هذه الحالة قد يؤدي إعلان التسريح إلى زيادة في عدد الباحثين عن العمل في هذه الصناعة، مما يعني أن المنافسة على الوظائف قد تزيد.
وعدد “ابو الفتوح” بأنه قد تكون هناك تأثيرات إيجابية على مجال التوظيف، على سبيل المثال قد يؤدي تسريح الموظفين من الشركات التكنولوجية إلى توفير فرص جديدة للعمل في الشركات الناشئة الصغيرة التي تنمو في هذه الصناعة بالإضافة إلى التشجيع على الاستثمار في تدريب وتطوير الموظفين الحاليين، وبالتالي تحسين مهاراتهم وزيادة قدراتهم على العمل في الصناعة.
وذكر أبو الفتوح أنه من الصعب تحديد ما إذا كانت هناك علاقة مباشرة بين المشكلات التقنية المتتالية التي واجهت مستخدمي فيسبوك وتويتر وإنستجرام وبين توجه الشركات لتخفيض عدد الموظفين لديها، ومع ذلك يمكن أن تكون هناك عوامل متعددة تؤثر على كلا الجانبين.
فقد يتسبب تخفيض عدد الموظفين في تقليل موارد الشركات المتاحة للتحديث والتطوير والصيانة، وبالتالي زيادة احتمالية حدوث مشكلات تقنية في المنصات التي تديرها هذه الشركات، وعلى الجانب الآخر قد تكون المشكلات التقنية الأخيرة نتيجة لأسباب أخرى مثل تغييرات البرامج والأجهزة وعدم استيعاب الموارد الضرورية للحفاظ على تجربة مستخدم مريحة.
وأشار إلى أنه لا يمكن القول بأن تسريح شركات التكنولوجيا لموظفيها جاء نتيجة أخطاء وحدث بالضرورة لدفع ثمنها الموظفين، مؤكدًا أن تخفيض العمالة في الشركات يحدث لأسباب مختلفة، كالتغيرات في التكنولوجيا والأسواق والتكاليف وتحسين الكفاءة، ولكن من الممكن أن تؤدي الأخطاء والمشاكل التي تواجهها الشركات إلى زيادة الضغط على الموارد والميزانيات، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تخفيض العمالة.
وقال أبو الفتوح:”ومع ذلك يجب على الشركات أن تتعامل بمسؤولية مع موظفيها، سواء كانوا يعملون في الوقت الحالي أو سيتم تسريحهم في االمستقبل”، ويجب أن تعطي الشركات الموظفين إشعارًا مسبقًا وتقديم الدعم اللازم لهم خلال هذه الفترة الصعبة. وأن تسعى الشركات إلى تقديم فرص عمل أخرى للموظفين المتأثرين بالتخفيضات، سواء في نفس الشركة أو في شركات أخرى، إذا كان ذلك ممكنًا.
وأكد وضع شركات التكنولوجيا معايير محددة للاستغناء عن موظفيها، وتختلف المعايير من شركة لأخرى وتعتمد على العوامل المختلفة مثل الحجم والصناعة والأداء المالي والتكنولوجيا المستخدمة والاحتياجات التشغيلية والتحديات الحالية والمستقبلية إلى جانب الأداء المهني والكفاءة والخبرة والتحصيل الدراسي والسلوك المهني والتوافق الثقافي والعلاقات الشخصية والاستقرار المالي والتكاليف العمالية وغيرها.
ومع ذلك، يجب على الشركات ، بحسب الخبير الاقتصادي ، أن تحترم حقوق الموظفين والتزاماتهم المنصوص عليها في العقود والاتفاقيات والقوانين المحلية والدولية، وتتعامل بمسؤولية وشفافية مع الموظفين المتأثرين بتخفيض العمالة.
وأضاف أبو الفتوح أن إعلان شركات التكنولوجيا عن تسريح موظفيها قد يشكل خطرًا على مجال التوظيف بشكل مؤقت أو دائم، حيث قد يؤدي إلى زيادة البطالة في الصناعة التكنولوجية وتأثير سلبي على الاقتصاد بشكل عام. كما يمكن أن يؤثر على سمعة الشركة وجذب المواهب المستقبلية.
ويحذر الخبراء من ضرورة ملاحظة أنه على الرغم من أن إعلانات التسريح تبدو سلبية في المقام الأول، إلا أنها قد تكون ضرورية للشركات في بعض الأحيان لتحسين الكفاءة والاستدامة المالية على المدى الطويل، وعادة ما تعمل الشركات على تطوير استراتيجياتها بحيث تتجنب التسريحات في حال كان ذلك ممكناً، وتسعى لتحسين الإنتاجية وخفض التكاليف بطرق أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات التكنولوجية المساهمة في تقليل الآثار السلبية لإعلان التسريح عن طريق توفير فرص عمل أخرى للموظفين المتأثرين بالتخفيضات، أو توفير التدريب والتوجيه المهني لمساعدتهم في العثور على فرص عمل جديدة. وهذا يمكن أن يعزز سمعة الشركة ويساعد في جذب المواهب المستقبلية، بحسب ما ينوه الخبراء.