“أنت صحفي لكن غير معترف بك” جملة عبرت بها إحدى المتدربات في حديثها لمدونة أرزاق عن أزمة تعيين الصحفيين في المؤسسات الصحفية وقيدهم في النقابة، فنقابة الصحفيين حلم يسعى إليه كل صحفي شاب لأعوامٍ عديدة وربما لا يحالفه الحظ ويبقى مقيد تحت مسمى “صحفي متدرب” دون أمل في تعيينه أو تسجيله في النقابة، فماذا عن الواقع الذي يعايشه الصحفي المتدرب؟!
غير معترف بك
تقول حنان الوالي، صحفية: “تعد أكبر مشكلة أواجهها بسبب عدم تسجيلي كعضو في النقابة أنني حتى لو أملك كارنيه الجريدة فأنا لازلت غير مقيدة بالنقابة وهذا يعني أن بطاقتي الشخصية لا تحمل هوية “صحفية” فإذًا أنا أمام المجتمع والجهات المسؤولة غير معترف بي، مما يعرضني لكثير من المشكلات أثناء التغطية الميدانية، فأنت صحفي ولكن غير معترف بك”.
وأضافت الوالي أن مكانة الصحفي لم تعد كما كانت، فالصحفي سابقًا كان له مركز مرموق وهيبة بينما الآن أصبح العمل قائم على العلاقات الشخصية دون النظر لمهنية الصحفي واحترامه لعمله بجانب أن المصادر تقدر اسم المؤسسة الصحفية العريقة المشهورة أكثر من الصحف الجديدة حتى لو مرخصة دون النظر إلى الصحفي نفسه ومهنيته.
والصحفي غير المقيد بالنقابة محروم من المزايا التي يتمتع بها عضو النقابة سواء تأمين صحي أو شقق سكنية أو دعم مادي وهى امتيازات لا يحصل عليها غير المقيدين في نقابة المشتغلين، بجانب أن الصحفي يبذل جهدًا كبيرًا حتى يتم تسجيله في النقابة، فحتى إذا بدأ العمل مبكرًا ينتظر مدة لا بأس بها حتى يتم تسجيله بعد خضوعه لاختبار وإذا لم ينجح فيه ينتظر الدورة الأخرى.
فاللائحة تنص على أن الصحفي يقضي ستة أشهر في الجريدة ثم يتم تعيينه مقابل مبلغ مالي، لكن بعض المتدربين يمكن أن يمكثوا سنة وأكثر ولا يتم تعيينهم، مع عدم امتلاكهم لكارنيه يثبت وجودهم في الجريدة أو الحصول على بدَل للمواصلات، فيضطر الصحفي المتدرب يتحمل نفقة زيادة على نفقته الشخصية بدلًا من حصوله على أجر يعينه بالإضافة إلى ضعف المبالغ المالية.
وعبرت الوالي عن رؤيتها لحل الأزمة بأن تقوم الصحف بتعيين المتدربين وتوفر لهم مصروفات تتناسب مع ظروف المعيشة الصعبة بجانب أن تيسر لهم دورات تدريبية تؤهلهم لمواكبة تطورات سوق العمل؛ لأن معظم التدريبات تكون مخصصة لصحفيّ نقابة المشتغلين.
وعلقت على الوعود التي تعرضها النقابة مع كل حملة انتخابية بأنها جيدة وإذا تحققت ستوفر للصحفي المتدرب كرامته، لكنها لازالت في خانة الوعود التي تُقال من أجل الشعبية الانتخابية ثم تنتهي بانتهاء الانتخابات.
واختتمت حديثها بأنها لا تفكر في مغادرة العمل الصحفي رغم كل هذه المشكلات قائلة: “أنا أحب العمل الصحفي وأحب الرسالة التي أقدمها من خلاله، والمرء إذا أحب شيء تحمل كل مساوئه وسيبقى لدي أمل أنه سيأتي يوم وتُحل الأزمة”.
نقطة الصفر
بينما أوضحت “أ.خ”، صحفية رفضت ذكر اسمها، أنها تفكر بشكل مستمر في مغادرة العمل الصحفي وامتهان وظيفة أخرى قائلة: “المقابل ضعيف وأنا أسافر يوميًا دون الحصول على أي أمل في تعييني…أشعر أنني لازلت في نقطة الصفر وعاجزة عن عمل ملف خاص بي”.
وأشارت “أ.خ” إلى أنها تشعر بأن حقها مهدور؛ بسبب تأخر تعيينها خاصةً أنه لا يوجد موعد محدد للتعيين، فربما تمكث سنة أو عشرة سنوات دون أن تتعين، ثم فجأة تغادر العمل ولا يوجد أي ضمان لحقها.
وأكدت “أ.خ” أنه لابد من وجود موعد محدد للتعيين يمنح الصحفي المتدرب بعض الأمل، أو حتى يكون هناك عقد عمل يثبت صلته بالمكان ويحفظ حقه في الحصول على ملف يثبت التحاقه بالعمل فيه إنما الصحفي المتدرب عندما يغادر العمل لا يحصل على أي ملف يدعم سيرته الذاتية، فالصحفي المتدرب لا يحصل على أي مقابل فقط يعمل في الجريدة دون أن يتم تعيينه أو حصوله على مقابل مادي، بل يتحمل أعباء المواصلات، بجانب الشروط المعقدة للقيد بالنقابة، فمسألة أن القيد بالنقابة متوقف على العمل في جريدة ورقية أصبحت مستحيلة في عصر السوشيال ميديا، فمَن الآن يقرأ جريدة ورقية؟، بالإضافة إلى أن أسلوب الكتابة على السوشيال ميديا مختلف عن الجريدة الورقية.
وأضافت آية يوسف، صحفية، بأن المعينين يمكنهم أن يسرقوا عملها وينزعوا عنه اسمها، أو التعديل في كتابة الموضوع بشكل يشعرها أن روحها تُنزع عن الموضوع الذي كتبته بنفسها، فالصحفيون الكبار لابد أن يعترفوا بالصحفيين الصغار ويكون هناك حوار بينهم، وعلى النقابة أن تقبل الجيل الجديد من المتدربين؛ لتجدد من دمائها، فأفكار الجيل الجديد مختلفة عن الأجيال القديمة من الصحفيين.
سُخرة واستغلال
وعبر د.أحمد عبد المقصود، أستاذ بإعلام القاهرة قسم صحافة، عن تأخر تعيين الصحفيين بأنه سُخرة واستغلال من أصحاب المواقع والصحف قائلًا: “أصحاب المواقع والصحف يريدون من خريجي كليات الإعلام، الذين كابدوا سنوات الدراسة وأنفقوا آلافات الجنيهات حتى يحصلوا على شهادة تخرجهم، أن يعملوا عشرة ساعات في اليوم بدون مقابل أو بمقابل زهيد، بل ينفق هو بنفسه على العمل!”
وأضاف أن أزمة تعيين الصحفيين وقيدهم في النقابة لن تُحل بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بجانب أن مسألة تحكم الصحف في إخطار النقابة بأسماء الصحفيين المتدربين باب فساد كبير.
وأوضح “عبد المقصود” أن نقابة الصحفيين هى النقابة الوحيدة التي تسمح لغير دارسي الإعلام والصحافة الانتساب لها قائلًا: “هذا عبث فهناك أعضاء نقابة خريجي دبلومات، فهل من حقي الانتساب لنقابة المهندسين بعد أخذ دورات مكثفة في مهنة الهندسة؟!، لابد أن يتم تعديل التشريع بأن يقتصر الانتساب للنقابة على خريجي أقسام الصحافة من كليات الإعلام فقط، وهذا إن تحقق سيحل عدد كبير من الأزمات”.
رؤية جديدة
بينما أشاد د.محمد وليد بركات، أستاذ مساعد بإعلام القاهرة قسم صحافة، بحماسة مجلس النقابة الجديد قائلًا: “يبدو أن مجلس النقابة الجديد لديه حماس لتغيير واقع مهنة الصحافة وممارستها، وهو ما أوضحته القرارات الأخيرة، وأتمنى أن هذا النشاط لا يقتصر فقط على الخدمات ويتوسع لإصلاح أحوال المهنة وحل أزماتها”.
وأشار “بركات” إلى أن مسألة حل أزمة تعيين الصحفيين وقيدهم في النقابة تحتاج إلى رؤية جديدة، تبدأ بإعادة هيكلة قانون النقابة ذاته، فالقانون صدر في الستينيات وغير طبيعي أن يستمر قانون لنصف قرن ونعتبره صالح للممارسة؛ لأن ظروف العمل الصحفي تغيرت بشكل كبير، فقانون النقابة في حاجة إلى قانون جديد.
وقدم “بركات” مقترحًا حول شكل القانون الجديد بأن يعمل على إدماج كل خريجي كليات وأقسام الصحافة والإعلام من الجامعات الحكومية والخاصة في قائمة تحت مسمى “المنتسبين” وهى قائمة معروفة ومتواجدة بالفعل في جميع النقابات المهنية مثل نقابة المحامين، وهى قائمة تضمن للصحفي حق الحماية القانونية في حالة تعرضه لأي انتهاك أثناء آداء عمله سواء انتهاك من جهة عمله أو جهة رسمية، بجانب أن النقابة تدعمه وتوفر له محامي للدفاع عنه، فوجوده في قائمة المنتسبين يساعده على الوصول إلى جهات العمل الصحفي والاختلاط بالجماعات المهنية حيث تضمن له الدخول لبيئة العمل الصحفي من بوابته الرسمية ولا يحتاج إلى التسلل من خلال الوسائط أو ما شابه.
وبعد فترة من ممارسة العمل يمكن انضمامه إلى قائمة المشتغلين، وهو تحول يضمن له امتيازات إضافية كالحصول على بدل المكافأة المادية من النقابة وغيرها من الامتيازات، ولابد من وجود شعبة لممارسي السوشيال ميديا وصحافة الڤيديو؛ لأن محرري السوشيال ميديا أحيانًا يكونون خريجي أقسام الصحافة وغير مسجلين في النقابة، وكذلك مع صحفيِّ الڤيديو؛ لأن وظيفة صحفي الڤيديو أصبحت وظيفة مهمة في المواقع الإلكترونية ورغم ذلك يضطر صحفي الڤيديو لممارسة دور غير دوره من الكتابة في الأعداد الورقية حتى يستطيع أن يدخل النقابة.
مع وجود شعبة لباحثي الصحافة والإعلام من الأكاديميين معيارها الحصول على درجة الماجستير في الصحافة أو الدكتوراه، فهناك عدد من الدكاترة في مجال الصحافة لهم تجارب عملية بل شاركوا في تأسيس صحف ويعملون على تقديم استشارات علمية لها، ورغم ذلك غير مقيدين في النقابة، فهذه الشعبة من الأكاديميين بإمكانها أن تكون قاطرة التطوير في النقابة سواء باستطلاعات الرأي أو قياس جودة الصحافة المصرية ومدى تأثيرها على الجمهور.
المادة جيدة
وعقَّب محمود كامل، وكيل نقابة الصحفيين للحريات، بأن قانون قيد الصحفيين في النقابة لا غبار عليه بل مادته جيدة جدًا باستثناء السماح لصحفيّ للمواقع الإلكترونية المرخصة بالتسجيل في النقابة، فهى الحلقة الوحيدة المفقودة في القانون موضحًا أن الأزمة متعلقة بالصحف التي لا تعمل على تعيين المتدربين ولجنة القيد التي لا تطلب إخطار بالصحفيين المتدربين فالأزمة متعلقة بالطرفين، والأمر عائد إلى لائحة الصحيفة ولا علاقة لقانون النقابة بالأزمة، فالحل يتم بالتزام الصحيفة بالقانون ومخاطبة مجلس النقابة للمؤسسات الصحفية لإخطاره بالمتدربين المتواجدين وبياناتهم.
وأضاف “كامل” بأن المشكلات التي تواجه المتدربين الصحفيين أثناء العمل يمكن حلها إذا توجهوا إلى النقابة بشكواهم وأثبتوا حقهم، وهنا سيتم معاقبة الجاني إذا ثبت مخالفته لميثاق الشرف الصحفي، فالنقابة مفتوحة لجميع المواطنين، والصحفيون إذا قرأوا قانون النقابة سيعرفون حقوقهم وواجباتهم، بينما أن يكون الطالب لازال خريج من كلية إعلام ويطلب الالتحاق بالنقابة فهذا مخالف للقانون ولن يسمعه أحد.
أما عن إمكانية التحاور بين الصحفيين الجدد والنقابة للتعرف على رؤيتهم ومشكلاتهم، رد عليه “كامل” بأنه بالفعل يتم، فمعظم الصحفيين، الذين يقومون بتغطية أحداث النقابة غير نقابيين، فمسألة التحاور والتعرف على الرؤية وحل مشكلاتهم تتم بدون جلسات أو اجتماعات ولا تحتاج لأي إجراء جديد.
وأقر مجلس نقابة الصحفيين نصوص لائحة القيد بالنقابة في 2015 والتي تشترط ألا يتجاوز عدد الصحفيين المقبولين من الصحف اليومية من كل جريدة 30 صحفياً وصحفية سنويًا ومن الإصدارات الأسبوعية 15 سنويًا ومن الإصدارات الشهرية 5 سنويًا، وأن يكون الصحفي معينًا بموجب عقد عمل غير محدد المدة أو قابل للتجديد تلقائيًا، ويصدر مجلس النقابة عقد عمل موحدًا للصحفيين على أن تكون النقابة طرفًا فيه، وتلتزم به الصحف في علاقاتها التعاقدية ولا يعتد بغيره كمستند عند قبول أعضاء جدد بجدول تحت التمرين.
كما يُشترط للقيد بجدول تحت التمرين أو جدول المشتغلين مثول المتقدم أمام جلسة لجنة القيد واجتياز الاختبار الشخصي، وتلتزم الصحف بإخطار النقابة بجداول بأسماء المتدربين لديها كل 6 أشهر ويقتصر القيد بجدول تحت التمرين بالنقابة على الأسماء المدرجة بهذه الجداول، وفي حالة مرور عام على إدراج اسم المتدرب بهذه الجداول تلتزم المؤسسات الصحفية بتعيينه.