حالة من الشد والجذب بين سوق الوظائف المصرية ومصلحة الضرائب عقب تصريحات مصلحة الضرائب المصرية في نوڤمبر الماضي بشأن منظومة الفواتير الإلكترونية، فقد أدت إلى حالة ارتباك في سوق الوظائف سواء على مستوى المنشآت التجارية أو الفردية.
في البداية، قال مختار توفيق، رئيس مصلحة الضرائب المصرية، أنه سيتم إلزام جميع ممولي مصلحة الضرائب المصرية بمنظومة الفاتورة الإلكترونية في منتصف ديسمبر 2022، وفقًا لموقع مصلحة الضرائب المصرية، موضحا بأن المنشآت الفردية سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية مثل ‘الدكتور، والمهندس والمحامي، والفنان، والمحاسب القانوني، والاستشاري” و جميع أصحاب المهن الحرة ملزمون بالتسجيل فى منظومة الفاتورة الإلكترونية، ما تسبب في حالة اضطراب واحتجاجات ضد القانون دفعت وزارة المالية إلى مد فترة التسجيل في المنظومة إلى 30 أبريل 2023 كمهلة أخيرة.
وفي تصريحات رسمية سابقة، كشف د.محمد معيط، وزير المالية، عن أنه سيتم تشكيل لجان مشتركة بين مصلحة الضرائب ومختلف الفئات المستهدفة، بمن فيهم أعضاء النقابات المهنية.
فرصة أخيرة
ورغم الاعتراضات التي واجهتها المنظومة بدأت الأنشطة التجارية والمهنية بالتسجيل في المنظومة فيقول عمرو عرفة، مأمور الفحص الملزم بدعم الفاتورة الإلكترونية: “هناك العديد من الأنشطة التجارية والمهنية “كالمحاسبين، والأطباء والمرشدين السياحيين، ومكاتب توريد العمالة، ومكاتب الرحلات، والمقاولات” وغيرهم من الأنشطة في التسجيل بمنظومة الفاتورة الإلكترونية والدفع من خلالها بالفعل، حيث يتم إصدار الفواتير من خلال التعامل على المنظومة، عن طريق الڤيديوهات التعريفية بالتسجيل على اليوتيوب”.
وأوضح “عرفة” بأن المحلات الصغيرة مثل السوبر ماركت والصيدليات يتعاملون مع مستهلك نهائي غير الشركات، وأولئك يقدمون “طلب إرجاء الإيصال الإلكتروني” حتى يتم تطبيق المنظومة المتكاملة في القاهرة وقليوب في 2025 على الشركات والمحلات الصغيرة، وهو ما بدأت فيه مصلحة الضرائب من خلال الوعي عن طريق الإعلام، وتعريف الناس بأن المنظومة تسعى إلى أن تكون مميكنة ويتم إلغاء النظام الورقي، وهناك مناطق فعّلت المنظومة بشكل متكامل مثل شرم الشيخ.
وأضاف عرفة أن النظام لم يستثني أحد من التسجيل حتى الآن، ومن ضمن الجهات المطالبة بالتسجيل “المسوق الإلكتروني، واليوتيوبر، والبلوجر” وهم بالفعل بدأوا في التسجيل، ولهم كود خاص يقومون بالدفع من خلاله، ويتم تحديد مقدار الدفع حسب الإعلانات التي يحصلون عليها، بينما استثناء المحاميين من المنظومة لازال مبهمًا وهو عائد إلى قرار الوزير النهائي.
وأكد أن المصلحة ستغلق باب التسجيل المُدعَم للأفراد في 30 أبريل كفرصة أخيرة للتسجيل في المنظومة؛ فالمصلحة تسجل الممولين بشكل مُدعم بعكس التسجيل في شركات مثل إيجي تراست ومصر المقاصة، يتم التسجيل فيها خارج مأمورية الضرائب ويقوم الممول بشراء الخِتم منها بقدر مادي، وسيكون الدفع مقابل الخِتم إلزامي على الجميع عقب التاريخ المقرر، فسيدفع الممول 1600 جنيه ليستطيع التسجيل في المنظومة، وإلا تم تحويله إلى النيابة الإدارية؛ بسبب التهرب من التسجيل في الضرائب الإلكترونية، وبالفعل هناك العديد من الشركات أصبحت ضمن القائمة السوداء لمصلحة الضرائب وتم تحويلها إلى النيابة الإدارية.
وأشار عرفة أن منظومة الفواتير الإلكترونية ستُحِد من التهرب الضريبي والتلاعب بالأسعار؛ دون تأثير على شائعات تقليص أعداد المهن والوظائف في مصر ؛ لأن كافة الأنشطة ستكون تحت رقابة الضرائب المصرية، فأي فاتورة تتضمن خلل في الدفع أو التسعير سيتم رفضها؛ لأنها قائمة على التعامل مع شركات أخرى وبالتالي سيصعب التلاعب بالأسعار، بجانب أن الاعتراضات الموجهة للمنظومة أصبحت أقل، وذلك عائد إلى دور الإعلام في التوعية الذي أدى إلى تقبل الناس للقرار واستجابتهم للتسجيل، ولازال هناك أسئلة وشكاوى تصل إلينا، ونقوم بتصعيدها للإدارة العامة للتأمينات الإلكترونية؛ للرد على الممولين.
الإلكتروني أفضل
وأشاد البعض بالمنظومة مع بعض التحفظات، فيقول أحمد الجيار، محاسب قانوني: “إن نظام الفواتير الإلكترونية أفضل من النظام الورقي القديم؛ لأنه يتضمن نظام رقابة فوري ويتحقق من الفواتير الصادرة في الحال، لكنه لازال يعاني من بعض المشكلات؛ كما يساهم في معرفة أوضاع ومخاطر الأوضاع الاقتصادية لكل مهنة في مصر، فمن المفترض يتم تسجيل الممولين تلقائيًا دون الحاجة إلى أوراق وهو لم يُطبق، بجانب ارتفاع تكلفة التوقيع والخِتم الإلكتروني، وأثناء الاستخدام أواجه مشكلة متعلقة بتفعيل البوابة وبطىء تنفيذ الإجراءات، وأتغلب على هذه المشكلة بالتوجه للدعم الفني الرئيسي لسرعة الحل”.
تسجيل صوري
وبرغم إشارة مصلحة الضرائب إلى بدء تطبيق المنظومة على كافة المنشآت، لازال التسجيل صوري لمعظم الأنشطة وهو ما أوضحه يوسف محمد، محاسب قانوني، قائلًا: “إن معظم مَن يسجل في نظام الفواتير الإلكترونية الآن يسجل صوريًا، فالدفع في المنظومة متعلق بأصحاب التعاملات المشتركة مع الجهات الحكومية مثل “الواردات، والمقاولات، والشركات الكبرى”، بينما العمل الحر كالمسوق الإلكتروني غير مطالب بالتسجيل والدفع إلا في حالة التعامل مع جهة حكومية؛ لأنها ستطلب فاتورة إلكترونية تلقائيًا، وفي حالة تطبيق القانون على المشروعات الصغيرة بشكل فعلي سيكون هناك أزمة في الحصر والتحصيل، ويمكن حل هذه الأزمة من خلال التحصيل بواسطة تجار الجُملة، أو إجبار المحلات الصغيرة لشراء ماكينة دفع للبيع”.
جناح العدالة
وتعد نقابة المحاميين على قمة المعترضين على نظام الفواتير الإلكترونية، فقد تظاهر آلاف المحاميين أمام مقر نقابة المحاماة في ديسمبر الماضي احتجاجًا على المنظومة مشيرين أنهم “ليسوا تجار بل أصحاب رسالة”.
فيقول محمد غريب، مستشار قانوني: ” إن المحامي جناح من جناحي العدالة، فبدون عمل المحامي لن تستقيم العدالة؛ ومنظومة القضاء ستتعرقل في حالة عدم وجود محامي؛ لأن القاضي لن يتمكن من إصدار الحكم بدون وجود محامي، وأنا كمحامي أتسائل ما العائد الذي سأحصل عليه من التسجيل في منظومة الفواتير الإلكترونية؟! إلا في حالة وجود وجهة نظر أخرى للوزارة نحن على غير دراية بها، فقانون الفواتير الإلكترونية مفيد لبعض الفئات باستثناء المحامي؛ لأن نظام عمل المحامي مختلف عن الأنشطة التجارية، ففي حالة دخول موكل للمحامي وقيامه بحجز استشارة قانونية، ثم لا تسير الأمور بشكل مرضٍ ويقوم الموكل بإلغاء استشارته بعدما يصدر المحامي له فاتورة إلكترونية، في حالة الموافقة على المنظومة، وبالطبع سيطالبني بأجر الاستشارة، هنا كيف سأعيد له النقود في هذه الحالة؟! إذًا فهذه المنظومة غير صالحة للمحامي، ونحن نرفضها بكل السبل؛ فمهنة المحاماة ممتنعة بنص القانون من ممارسة التجارة، فكيف يُطالب المحامي بتطبيق نظام تجاري في الأساس؟!”
وأضاف غريب أن منظومة الفواتير الإلكترونية مجزية لأصحاب العمل التجاري والمهندسين؛ لأنها تسهل عليهم دفع الضرائب، وفي حالة شراء السلعة واسترجاعها يمكن للتاجر أو المهندس أن يصدر فاتورة ارتجاع دون محاسبته، بينما المحامي والطبيب سيكونان في أزمة إذا تم تطبيق المنظومة لأنها غير مجزية لهما؛ فمهنة المحاماة حرة تشارك السلطات القضائية، وهذه المنظومة غير مفيدة لها إلا في حالة أن المحامي يمتلك شركة ويدفع لها ضرائب.
وأكد غريب أن هناك لجنة من أعضاء النقابة العامة مكونة من وكيل النقابة والأمين العام وعضو من وزارة المالية قامت بالطعن على منظومة الفواتير الإلكترونية وقانون الضريبة المضافة في مجلس الدولة، ويناقشون الآن وضع القانون والقرار النهائي للقضاء، فتاريخ 30 أبريل فرصة الحكومة لكافة الوظائف باستثناء المحاماة، لأنهم غير معترفين بالمنظومة من الأساس.
وأوضح غريب أنه في حالة تلبية القضاء لمطالب المحامين دون المهن الأخرى ستحدث حالة من العوار الدستوري، ولكن في نفس الوقت، فقانون الضريبة المضافة مُطَبَق على المحامين وحدهم وغير مطبق على الأطباء أو المهندسين، مشيرًا إلى أن النقابات الأخرى لم تطعن على المنظومة بعد ومنتظرين ما سيواجهه المحامون في النهاية، وكل ما يمكن فعله هو بذل العناية والجهد، والنتيجة النهائية في يد القضاء.