حذاري أن تقترب أو تقترن دراستك به!، نصيحة يوجهها الطلاب الأكبر سنًا للطلاب الأصغر عمرًا حينما تحين لحظة اختيار القسم موضع الدراسة في كليات الإعلام، فهو خارج نطاق الاختيارات، منبوذ من الجميع، كأنه المستقبل المحكوم عليه بالإعدام، إنه قسم الصحافة بجميع كليات ومعاهد دراسة الإعلام، لا يختاره سوى الغاويين له، المحبين لكافة فنونه، يدافعون عنه بجل ما يملكون من حب تجاه دراسة الصحافة، التي هى بالأساس جوهر وقلب الدراسات الإعلامية جميعها، وفي ضوء ذلك تطرح مدونة أرزاق تساؤل لماذا يهرب الطلاب من قسم الصحافة؟
جمود فكري
تقول نجلاء سلمي، طالبة في الفرقة الرابعة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، لم يراودني مطلقا الالتحاق بقسم الصحافة، كان كل تركيزي هو الالتحاق بإحدى القسمين على الترتيب قسم الإذاعة والتليفزيون وقسم العلاقات العامة والإعلان، نظرًا لأن العمل الصحفي لم يعد كما كان في السابق لذلك لم يكن ضمن أولوياتي دراسة ما يتعلق بالصحافة، بالإضافة إلى أن المواد الدراسة الخاصة بالقسم مكثفة وغير قابلة للفهم أو التطوير ولكنها مناهج قديمة لا تتواكب مع تطورات ومتطلبات العصر، وكذلك الأساتذة الذين يتولون عملية التعليم لديهم جمود فكري في التعامل على عكس معلمين الأقسام الأخرى.
وأوضحت روجينا رأفت، طالبة في كلية الإعلام جامعة السويس، بقسم الإذاعة والتليفزيون، أن الأمر بالنسبة لها متعلق بنقابة الصحافة المصرية، خاصة وأنه لا يوجد تعيينات منذ سبع سنوات بالصحف الحكومية.
وأضافت طالبة اﻹعلام بأن اللايڤ أو البث المباشر أو صحافة المواطن أحد أهم العوائق أمام الصحافة الورقية، فأصبح اليوم بإمكان أي شخص أن يذهب إلى أي مكان ويبث من خلاله الأخبار محققًا بذلك سبقًا صحفيًا قبل أن تتناول الصحف الخبر من الأساس، وبالتالي عامل السرعة في نقل الأخبار، وأصبح بإمكان أي مواطن التواصل مع المسئولين وإجراء الحوارات معهم، ولذلك الوسائل الحديثة أصبحت منافس كبير للعمل الصحفي.
نظرة طبقية
أما عن هدايه السيد، طالبة بكلية الآداب، جامعة شبين، قسم الإذاعة والتليفزيون، فأكدت أنه يوجد نظرة طبقية لقسم الصحافة، فهناك من ينظر إليه على أنه ليس بقسم “القمة”؛ لذلك فهو خارج نطاق الاختيارات، وهناك من يضطر إلى الالتحاق به؛ لأنه لم يحقق شروط الالتحاق بالأقسام الأخرى، وهناك من يهرب منه نتيجة العوائد المادية القليلة في سوق العمل، وكذلك التفضيل الشخصي يمثل عائق أمام عدم اختيار القسم.
مهنة في تراجع
بينما علَّق أساتذة كلية إعلام قسم صحافة على تهرب الطلاب من القسم مشيرين إلى صعوبة العمل الصحفي وتطور المناهج الدراسية.
فيقول د.عثمان فكري، أستاذ بإعلام القاهرة قسم صحافة: “إن عزوف الطلاب عن الالتحاق بقسم صحافة مرتبط بأوضاع المهنة، ومهنة الصحافة في تراجع بشكل كبير سواء على مستوى مصر أو العالم، بجانب أن فرص تأثيرها على الجمهور لم تعد كما كانت بسبب التطورات التكنولوجية الحديثة وبشكل أخص فئة الشباب المقبلين على التقنيات التكنولوجية الحديثة، فبالتالي أصبح الطالب أيضًا يتهرب من الالتحاق بالقسم”.
وأشاد فكري بالتحديثات التي أجرتها إعلام القاهرة بعد إنشاء قسم “الإعلام الرقمي” قائلًا: “هذا هو التطور المفترض أن يحدث في أقسام الصحافة وهو ما قامت به عدد كبير من الجامعات الخاصة وبعض الجامعات الحكومية بعد إدراكهم بضرورة تطوير قسم الصحافه لمواكبة تطور المهنة ذاتها؛ لأن المهنة تطورت وسبقت المناهج الدراسية بسنوات عديدة، وذلك نتج عن تأخر التطور الأكاديمي لكن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله”.
مهدد قوي
وأكدت د.أسماء أبو زيد، أستاذة بإعلام القاهرة قسم صحافة، أن ظاهرة تهرب الطلاب من قسم صحافة ليست على مستوى الجامعات المصرية فقط بل أيضًا على مستوى الجامعات العربية بشكل عام وجامعات الخليج بشكل خاص مشيرة أن السبب في ذلك هو التطور الذي أحدثه قسم العلاقات العامة والإعلان والذي استطاع من خلاله أن يسحب البساط من قسم صحافة.
وأوضحت أبو زيد السبب قائلة: “يعتمد قسم العلاقات العامة والإعلان على مجالات عمل مطلوبة في الوقت الحالي سواء في التسويق أو العلاقات العامة، بجانب تقصير أقسام الصحافة في التطور واعتمادها على المدارس القديمة في التدريس، ونادرًا أن نجد قسم من أقسام الصحافة يعمل على تدريس مستجدات مهنة الصحافة سواء المتعلقة بالڤيديو أو البيانات وغيرها من التحديثات، مع اعتماد الطالب على التدريب الخارجي”.
وأضافت “أبو زيد” أن التقصير طال الصحف كذلك قائلة: “نحن نتحدث هنا في مصر عن الصحافة الرقمية والصحافة العالمية استبدلت الصحفيين بالذكاء الاصطناعي خاصةً في مجالي الرياضة والاقتصاد؛ لأنهما مجالين يعتمدان على كتابة البيانات والتحليل والذكاء الاصطناعي أصبح لديه القدرة على كتابة التقارير والتحليلات بصورة دقيقة جدًا بل وأكثر عمقًا ومعلوماتية من الصحفي البشري، فالذكاء الاصطناعي أصبح مهدد قوي لمهنة الصحافة واستطاع أن يسيطر على عدد كبير من المجالات باستثناء الجانب الإنساني والعاطفي، وحتى نرغب الطالب من جديد للالتحاق بالقسم علينا أن نؤهله لسوق العمل بل ونخلق له سوق عمل يتلائم مع ما يتم دراسته في الكلية؛ فإذا استغنى سوق العمل عن الطلاب الخريجين من أقسام الصحافة سيتوقف الطلاب عن الالتحاق بالقسم”.
وأشارت أبو زيد إلى ضرورة الموهبة للالتحاق بقسم صحافة؛ فإذا كان الطالب ملتحق بقسم صحافة ولديه موهبة صحفية بنسبة 70% سيستطيع أن ينافس في سوق العمل؛ فالصحافة ليست صحافة ورقية فقط إنما هى مهنة متعلقة بكافة المجالات؛ لأن الصحفي أشبه بالباحث القوي الذي يملك آليات ومنهجية في البحث ونمط التفكير، فإذا حقق هذه الشروط سيتمكن من استغلال موهبته للعمل في أي مجال متعلق بالإعلام إذا تم تأهيله بالطريقة الصحيحة.
الحلم البراق
واتفق د.أحمد عبد المقصود، أستاذ بإعلام القاهرة قسم صحافة، مع د.أسماء أبو زيد فيما يتعلق بالموهبة الصحفية قائلًا: “إن قسم صحافة يعتمد في الأساس على الموهبة فإذا افتقد الطالب للموهبة الصحفية ولم يكن لديه رغبة في الالتحاق بالقسم لن يكون خياره الأول، وهو ما يحدث نتيجة اعتماد الطالب على ما يسمعه من أصدقائه وزملائه حول القسم دون معرفته بالمواد التي يدرسها القسم، ويظل قسم إذاعة الحلم البراق لكل طالب فهو لديه ظن بأن المستقبل هو قسم إذاعة والعمل في التلفزيون من أجل الشهرة وإن كان يفتقد الموهبة أو معرفة احتياجات سوق العمل”.
وأضاف “عبد المقصود” أن سوق العمل الإعلامي يعاني من عدد كبير من المشكلات أبرزها طول فترة التدريب بعد التخرج مع عدم وجود فرص كبيرة للتعيين؛ بسبب استغلال أصحاب المواقع والصحف وحتى القنوات التلفزيونية للخريجين ومنحهم أجور متدنية بشكل لا يتناسب مع مجهودهم برغم وعود النقابة التي لا تتحقق في معظم الوقت، كل ذلك تسبب في شعور الطالب بالإحباط ونفره من الالتحاق بالقسم.
واختتم “عبد المقصود” حديثه مؤكدًا على ضرورة وجود تشريعات تحمي حقوق الصحفي وتمنحه حق الانضمام لنقابة مهنية بشكل تلقائي كالمحاميين أو المهندسين والأطباء، مع وجود نقابة تحمي الإعلاميين، فالنقابة الحالية دون مستوى الطموح الذي يقودنا نحو إعلامٍ أفضل.