“يكفي أن يكون لديك وعي ومعرفة بعيدًا تمامًا عن العشوائية، صامدًا أمام التحديات والانتقادات، هكذا تسير رحلتك مع مقدم خدمات مهنية” بتلك العبارات البسيطة عبرت منى منصور، مقدمة خدمات مهنية، عن رؤيتها في مجال التطوير المهني، لتتطرق إلى موضوعات أكثر في حوارها الخاص مع “أَرْزَاقِ”، فيمكن أن تكون هذه المرة الأولى لك للسماع بأن هناك مجال متخصص في التطوير المهني، لكن بمجرد التعرف عليه والإلمام به حتى وإن كانت معلومات بسيطة، ستدرك مدى أهميته وأنه لا غنى عنه حاليًا في ظل هذا الكم من الضغوطات والتحديات المحتمل التعرض إليها داخل سوق العمل.
نريد منك في البداية معرفة كيف كان طريقك لوظيفة مقدم خدمات مهنية؟
أنا منى منصور مقدمة خدمات مهنية ومتخصصة مواد بشرية في مؤسسة للاستشارات والتدريب، إذ أن خبرتي في هذا المجال تتجاوز الـ7 سنوات، فبعد تخرجي من كلية الحقوق كنت كباقي الخريجين الجدد يسيطر عليّ شعور بالتوهان وعدم معرفة ماذا أفعل، ويدور داخل عقلي العديد من التساؤلات، هل أستمر في مجال القانون وألتحق بالدراسات العليا أم دراسات حرة لها علاقة بما أود دراسته أم أبحث عن عمل لكي أوفر أموال لتحصيل كل هذا أم أنضم لأحد الكورسات لتفيدني فيما بعد، وبعد فترة طويلة من التفكير فضلت أخر خطوة، “وبالفعل بدأت أخد كورسات وسألت حد مكنش متخصص فنصحني إني أكمل دراسات عليا، والنصحية دي فادتني إني كملت في دراسات ليها علاقة بالقانون، وفرتلي معلومات وعلاقات استفدت بيها، بس كان في دماغي بعد ما اخلص هشتغل إيه بالظبط”، إذ أنني لا أفضل مجال المحاماة أو النيابة أو القضاء لذا ألتحقت بدبلومة عن التجارة والاستثمارات الدولية.
1/ بعد دراستك للحقوق، لماذا اتجهتي لمجال التوجيه المهني وكيف كانت رحلتك طوال تلك الفترة؟
بعد الانتهاء من تلك الدراسات اقترحت إحدى زميلاتي الانضمام إلى كورس حول التطوير المهني والتنمية الذاتية، ليعتبر هذا الكورس الخطوة الأولى نحو هذا المجال، لكنني لم أنسى القانون فقد ساعدني بشكل كبير في بدء الدراسة لمجال الـHR لارتباطه بقوانين العمل، لكن لم يخلو الطريق من العقبات فواجهتني عدة صعوبات للبدء في دراسة التوجيه المهني، فإلى جانب عدم شيوعه في مصر كانت الكورسات تقتصر على مكان واحد أو اثنين فقط ولكن غير تابعيين للجهة التي أود الالتحاق بها وهي الـNCDA، إذ كانت تتيح محاضرات أونلاين لكنني لم أفضل هذا إطلاقًا إلى أن سانحت الفرصة للبدء، “وكمان خبرتي في الـHR ساعدتني إني أكون في الكارير كوتشينج بشكل قوي لإني شايفة وجهتين النظر للشركة والموظف، ودا باختصار الرحلة بتاعتي من ساعة ما اتخرجت لحد ما بقيت مقدمة خدمات مهنية”.
2/ من هو المرشد المهني ودوره في مساعدة الأفراد في التعرف على ذاتهم الوظيفية؟
المرشد المهني هو شخص دوره الأساسي يكمن في مساعدة الأفراد في التعرف على ذاتهم أولًا، ثم مساعدتهم في إتخاذ قراراتهم المهنية باختلاف المراحل العمرية، والتي يمكن أن تندرج ضمن اختيار الكلية أو التخصص المناسب، أو اختيار الوظيفة على أنها وظيفة دائمة أو مجرد وظيفة مبدئية لحين إيجاد ما يطمح إليه، كما يرشدك للطريق الأمثل لبدء مشروع جديد أو إن كنت تنوي تغير مسار عملك، وكذلك يدفعك نحو الترقيه والتطور في العمل، ومن ناحية أخرى يوفر لك كافة التفاصيل التي تريد معرفتها عن سوق العمل وحول تخصص معين، ويحاول أيضًا تقديم أكثر من بديل عند التردد بين أكثر من مجال يتناسب معك ومع قدراتك، أما في الشركات يقع على عاتقه مساعدة الموظفين، وخصوصًا الجدد وتأهيلهم بما يتلاءم مع موقعهم الوظيفي داخل الشركة.
3/ كيف يمكن اختيار المهنة المناسبة للامكانيات، ومتي يلجأ الفرد إلى استشاري مهني؟
يمكن أن اعطيك مثالا على ذلك من خلال أنا حاليًا طالب من حديثي التخرج ولم أقرر بعد التخصص في أي وظيفة، ويتردد حولي أحاديث كثيرة فمنهم من ينصح بكورس معين أو المكوث في البيت لحين إيجاد فرصة عمل مناسبة، ستجد نفسك تائه وسط أحاديث كثيرة وتشعر أن عليك في تلك الفترة إتخاذ قرار، فهنا تأتي أول مرحلة التي لابد السير تجاهها وهي اللجوء لأحد المتخصصين ليستطيع توجيهك بما يمتلكه من خبرة، أما بخصوص اختيار المهنة المناسبة عليك أولًا التعرف على ذاتك ومعرفة مهاراتك، فتلك النقاط لابد التوقف عندها سواء كنت طالب أو خريج أو حتى إن كنت تبحث عن وظيفة أو ستتجه إلى عمل آخر، كما يمكنك تصميم قائمة خاصة بك تساعدك في التعرف إن كانت هذه الوظيفة تتفق مع مهاراتك أم لا.
وعن تطويع تلك الوظيفة لطموحك يتطلب منك دراسة سوق العمل بصورة تفصيلية مدققة، “فممكن تختار كارير ملهوش سوق عمل كبير أو هيتلغي بعد كام سنة بسبب الذكاء الاصطناعي، اعرف هل المرتب مجزي وهيكفي احتياجاتي ولا لا؟، هل هيناسب نظم حياتي؟ ممكن يكون محتاج سفر كتير أو عدد ساعات كتير وفي الأخر هي بنت فصعب عليها وهيخلق صراعات، أو حتى لو ولد بس عنده التزامات ومسئوليات، فمحتاج يعرف طبيعة يومه وفي المستقبل هيكون عامل إزاي؟”، فبعد الإجابة على تلك الأسئلة ستتمكن من معرفة كيفية تطويع قدراتك وإمكانياتك مع الوظيفة، وفي الوقت ذاته بما يتناسب مع ظروفك ويرضي طموحك ويحقق الرضاء الوظيفي.
4/ بظهور مجال الإدارة المهنية وانتشاره مؤخرًا.. كيف يساهم في تطور بيئة العمل؟
على الرغم من عدم حداثة مجال التطوير المهني إلا إننا نلاحظ تواجده على الساحة في الآونة الأخيرة، ويرجع الفضل لأزمة كورونا وتأثيرها الملحوظ على مختلف الوظائف وكذلك طريقة الدراسة وغيرها من العوامل التي هيأت الأجواء لظهور الدور الفعال للكارير كوتشينج، مما خلق وعي لدي فئات متنوعة بوجود شخص متخصص قادر على مساعدتك وتحقيق الرضا والنجاح دون أن تكون مجبر على الاستمرار في وظيفة لا تحبها، ليظهر ما يجعل من تلك الوظيفة مناسبة من خلال إتاحة قدر كبير من البدائل الوظيفية، وكذلك الاقتناع بأن تلك الوظيفة يمكن أن تكون مجرد خطوة لتحقيق طموح أكبر، ومن ناحية أخرى تبلور دور مجال الإرشاد المهني خصوصًا مع شيوع المنافسة التي أوجدتها السوشيال ميديا، وترسيخ صورة أن الجميع ناجح ومؤثر في المجتمع، علاوة على ذلك لا يمكن إغفال دعم بعض الجهات والجامعات المصرية بتوفير مراكز للتطوير المهني تُقدم المساعدة للطلاب لاختيار تخصصهم، وتتيح كورسات لتأهيلهم لسوق العمل، إلى جانب محاضرات عن الوعي الذاتي وتطوير المهارات.
5/ هل يؤثر هذا المجال على الخطوات المهنية المستقبلية لكل من يرتاده للمساعدة؟
بالتأكيد يؤثر؛ حيث يحميك مجال التوجيه المهني من خطورة التشتت وتحديد ما هي خطواتك القادمة، فيصبح معك رؤية مستقبلية لمدة سنتين على الأقل عن التخصص الذي تفضله، حتى وإن لم تبدأ به فيكون معك أيضًا خطة واضحة لتجعلك جاهز ومستعد لما هو قادم، “مثلا أنا واحدة اختارت كارير الماركتينج فبيجي في دماغك شوية أسئلة هو أنا اختياري صح؟، في حد اختار مجال تاني وبيحقق ربح أكتر؟، ودا طبيعي جدًا أنك تكون متلغبط، بس هيكون ردك لا أنا عارفة نفسي واختيارتي وذاكرت سوق العمل والتخصصات دي مهما كانت براقة لكن مش مناسبة ليا”.
واستكمالًا لتأثيره على المستقبل قالت إنه يختصر عليك الطريق وإهدار الكثير من الوقت والجهد والأموال إن كان هذا في غير مكانه، فيحميك من الانضمام لكورسات في مجال معين بعيدًا عن طموحاتك، لذا فإن توجدي مع مقدم خدمات مهنية يعطني قدر كافي من الوعي خلال رحلتي المستقبلية والابتعاد تمامًا عن القرارات العشوائية، ومن الفوائد التي تعود عليك من مجال التوجيه المهني، أنه يقوي لديك مهارة معرفة ودراسة التخصص الذي تريده قبل إتخاذ قرار الالتحاق به، لأن هذا قرارك تدرسه بشكل سليم من خلال مهاراتك وقدراتك العملية، وليس نابعًا من أحاديث الآخرين أو السير الأعمى وراء التريند.
6/ كيف يمكن تأمين الحياة الوظيفية في ظل التطورات التكنولوجيا وإدخالها في كافة الوظائف؟
في البداية وقبل اختيار التخصص، لابد معرفة مدى تأثر المجال بالتكنولوجيا؛ لتحقيق القدرة على مجاراة ومواكبة السوق، ويعد طرح تساؤل مباشر خاص بالتخصص محل الاهتمام أمر مهم وضروري لهذه المرحلة، فمثلًا يجب تحديد مدى تأثر مجال كتابة المحتوى بالتطورات وكيف يمكن تطويعها للحصول على أقصى استفادة، وهو ما يكتمل بوجود وعي ذاتي من الفرد لقدراته وإمكانياته والربط بينها وبين اختياراته للمجال، ويتوقف حسم قرار الاختيار على دراسة شكل هذا التخصص في المستقبل وطبيعته بعد رصد درجة تأثره بالتكنولوجيا.
7/ في حالة استشارة المدرب في مشكلة مستحدثة، كيف يتصرف لتقديم النصيحة الأمثل والمساعدة للحصول على حل؟
يستند النصح على نظريات الإرشاد الوظيفي ومنهجياته والحل الأنسب لشخصية الفرد، فيتم مساعدته في الوصول لطريقة مناسبة للتغلب على مشكلته، إذ لا توجد خطة ثابتة لجميع الأشخاص باختلاف طبائعهم وشخصياتهم، وإنما هي نصائح واسترشادات تسهل إتخاذ القرار وفق مسار علمي مدروس، وإلى جانب ذلك، يتم تدريب طالبي الاستشارة على كيفية التفكير في مشكلته وحلها بنفسه “بنساعده يفكر هو عارف إيه عن نفسه، عن مجاله وخبراته، مميزات وعيوب شركته، البدائل المتوفرة”، فبالتالي يقوم بدور إرشاد للفرد بشكل محايد أكثر من دوره في إعطاء حلول فورية والتأثير عليه، وفي حالة المشكلة المستحدثة تتوقف النصيحة على مدى امتلاك الخبرات والتجارب التي تضمن تقديم أفضل استشارة للفرد وما يحتاج إليه، أما مع عدم امتلاكه للمقومات السابقة فيجب إخبار الفرد بذلك حتى لا يتم خداعه بحلول وهمية، وللأمانة والتزامًا بالميثاق المهني يُخبر الشخص بصراحة وتجنب تشتيته.
8/ إلى أي مدى اختلفت المشكلات المهنية قديمًا عن الوقت الحالي؟
تتباين مشكلات الطلاب العاملين وحديثي التخرج عن أصحاب الثلاثين عامًا وذوي الخبرة، ذلك لأن لكل جيل تحدياته ومعوقاته والتي في الغالب تتشابه وتجتمع تحت مظلة واحدة، فالخريجون تشغلهم اهتمامات واحدة وهو نفس الحال بالنسبة لكل فئة، فالفترة الزمنية ليست هي معيار اختلاف المشكلات إنما يتحكم السن في ذلك، وأيضًا يلعب التطور التكنولوجي والوظائف المستحدثة دورًا فتسبب نوع من الضغط والتهديد على الموظفين، خاصة كبار السن الذين يواجهون صعوبة في التكيف والتأقلم مع المستحدثات بينما يسهل استيعابها من جانب حديثي التخرج، وظهرت كنتيجة لذلك نوعية مشكلات لم توجد من قبل “كان الجاهل من لا يجيد القراءة والكتابة، ثم جاهل الكومبيوتر، والآن من يجهل التعامل مع البرمجة”.