استحدثت منصات التواصل الاجتماعي جرائم على المجتمع تلاعبت في معاييرها وقيمه الراسخة وغيرت من سلوكيات أفراده، فسيطرت لا أخلاقيات السوشيال ميديا على أفراده بإغراء الكسب المادي الذي نجده وراءه كافة الجرائم كالإتجار بالبشر أو التداول المالي أو النصب والاحتيال، وبالتوازي مع هذا التغيير ظهرت أيضًا قوانين لمكافحة مثل هذه الأفعال لإحداث التوازن في المجتمع، والذي يتطلب أيضًا وعي جماهيري لعدم الانحراف وراء هذه السلوكيات والتدقيق وملاحقة الحقائق خلال استخدام هذه المنصات.
إغراءات التوظيف
في ظل التطور التكنولوجي الهائل، وانتشار الوسائل والتقنيات الحديثة وازدياد معرفة الناس بالبرمجة و إلمامهم بطريقة استخدام تلك الوسائل، لجأ البعض ممن لا مهنة لهم، ويرغبون في كسب المال بأي وسيلة، إلى استغلال تلك التطورات في خلق وظيفة جديدة، وهي “النصب أو الاحتيال الإلكتروني” كجزء من العهر الإلكتروني، الذي انتشر في الآونة الأخيرة.
وفي مصر وخلال العامين الأخيرين ٢٠٢٢ جاءت تفاصيل حوادث احتيال بمسمى “إعلانات الوظائف”، بسيناريوهات قيام هؤلاء المجرمين باصطياد ضحاياهم عبر إيهامهم بوجود فرصة عمل مناسبة لها العديد من المميزات، فيقنع الضحية بدفع رسوم للتقديم للوظيفة أو الاحتيال باسم خدمة عملاء البنوك، بإخبار الضحية بأن البنك يحتاج إلى بياناته الشخصية؛ لإجراء بعض التحديثات، حتى يستولي على أمواله في نهاية المطاف.
توظيف اﻷموال للنصب
بالرغم من المميزات اللامتناهية التي أتاحتها منصات التواصل الاجتماعي والتي تسعى لتدعيمها بخلق عالم افتراضي موازي، إلا أنها أصبحت سيئة السمعة، خصوصًا في حالة الاستغلال السيئ لها وخاصةً ممن يحظون بقاعدة واسعة من المتابعين.
وقبل أن يسدل الستار على عام ٢٠٢٢، لاحت قضية التداول التي اُتهمت فيها البلوجر هدير عاطف، واحدة ممن يُطلق عليهن “المؤثرات” على الانستجرام والتي يتابعها أكثر من مليونين ونصف شخص، ليتم القبض عليها وزوجها وشخصين آخرين منذ ما يزيد عن خمسة أشهر؛ بتهمة النصب والاحتيال تحت مسمى توظيف الأموال وتلقي ملايين الجنيهات من الضحايا للإتجار في العقارات والسيارات كما زعموا.
ضحايا التداول المالي
وتعد ظاهرة امتهان التداول المالي عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أنشط مظاهر المشكلات المستحدثة التي يعاني المجتمع آثارها، وخصوصًا ارتفاع معدل ضحاياه من المواطنين الذين لم يتوقعوا مشاركة شخصية معروفة في عملية نصب، وبعد انتشار أخبار عملية الاحتيال وكم البلاغات التي حُررت واختفاء هدير وزوجها بلال محمود ومعاونيهم هاجر محمود وتامر عادل، بدأت القوات الأمنية المختصة في عمليات البحث حتى تم القبض عليهم.
وكشفت النيابة العامة تلقيها محضرًا من الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة تضم شكوى 10 أفراد من تعرضهم للنصب.
الإتجار بالسوشيال ميديا
ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في تغيير مفهوم الجرائم وإكسابها الطابع الإلكتروني؛ ليصعب التعامل معها بتشريعات القوانين التقليدية، فتطلبت الحاجة استحداث لوائح محكمة؛ للتعامل معها وخاصةً في حالة انتشارها وممارستها بواسطة جماعات إجرامية منظمة وعابرة للحدود، ولبشاعة جريمة الإتجار بالبشر واستهدافها فئات شابة.
فقد أجرى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجرائم بحثًا “في أكتوبر 2021” حول كيفية استخدام السوشيال ميديا كوسيلة للإتجار ، والذي يحدث فيه الاعتداء الجنسي والاستغلال بشكل افتراضي يتم فيه بيع الصور ومقاطع الفيديو على منصات في جميع أنحاء العالم، ويتم استخدام الإنترنت في هذه الوسيلة لتسهيله عملية الوصول لأكبر عدد من الضحايا لعدم وجود قيود مادية أو جغرافية تحكمه.
وتجلت مظاهر تلك الجريمة، عندما تكشفت واقعة القبض على البلوجر حنين حسام بتهمة الإتجار بالبشر خلال عام ٢٠٢١، عبر دفع الفتيات إلى الاشتراك في بعض التطبيقات، وممارسة أفعال لا أخلاقية، بمسمى “فرصة وظيفة لفتاة جميلة”؛ بهدف الحصول على مبالغ مالية ونشرها صور و فيديوهات تحوي ممارسات تتصادم مع قيم المجتمع وأخلاقياته.
وفي نفس المسار الاجرامي السابق، أوضحت تحريات النيابة وجود علاقة بين حنين حسام وبين مودة الأدهم صاحبة واقعة القبض عليها بتهمة استخدام السوشيال ميديا لترويج الصور التي لا تتوافق مع الأعراف المجتمعية وتنافي الآداب، فظهر من التحريات أنها استخدمت حنين وياسين محمود في فيديوهاتها وسهلت ارتكابهم جرائم تتعدى على سلوكيات المجتمع وهو ما يعد أيضًا اتجارا بالبشر وتشجع على الانحراف.
حلول قانونية وعملية
وفي هذا حذر عدد من خبراء القانون ضرورة تجنب التعرض للاحتيال وعروض الاستثمار الوهمي بمسمى “التوظيف” من خلال تجنب اتباع بعض الخطوات البسيطة، وعدم السعي وراء العروض ذات الإغراءات العالية والمكاسب السريعة غير الواقعية، والتعرف على مصطلحات الاقتصاد والاستثمار الأساسية حتى لا يقع المرء في النصب، وضرورة البحث عن هوية الشركة وترخيصها قبل التعامل الرسمي، ومراجعة كافة المعلومات حولها للتأكد من مصداقيتها، والتأكد من هوية الشخص الذي يتم التواصل معه وعدم مشاركة البيانات الشخصية إلا بعد التأكد من انتماء الشخص لأحد الجهات الرسمية، وتجنب فتح أي رابط إلكتروني يظهر لتجنب سرقة البيانات الشخصية بسهولة.
وعن تلك الأساليب قال المحامي أشرف ناجي في تصريحات لمدونة “أرزاق” أن القانون حدد عقوبات رادعة لكل من يحاول استغلال السوشيال ميديا بطريقة غير مشروعة لتحقيق مصالح شخصية، وأنه حدد عقوبة الحبس 3 أشهر وغرامة مالية تبدأ من 30 ألف جنيه لمرتكب جريمة الاحتيال الإلكتروني، وكل من استغل خدمات الاتصالات دون وجه حق لن يفلت من القانون.
وأوضح الخبير القانوني أن جريمة الإتجار بالبشر يُعاقب عليه القانون بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع وذلك نص المادة الخامسة من قانون رقم 64 لسنة 2010، والمادة السادسة التي تنص على معاقبة كل من ارتكب جريمة الإتجار بالبشر بالسجن المؤبد والغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف، منوها بأن القانون قدم العديد من المواد الرادعة وأن الخطأ لا يقع على تطبيق القانون بل بضرورة التوعية بتجنب تلك الممارسات بما يساهم بمساندة الجانب القانوني في الحد من تلك الجرائم.