انعدام الثقة وسوء المعاملة أبرز مشكلات العمل..
الطب النفسي: انعدام الثقة والتقدير والاسرة أحيانا تؤدي للافكار الانتحارية
يتعرض الجميع للعديد من الظروف الخارجة عن الإرادة البشرية كأن يتعرض أحدهم لترك وظيفته باختلاف الطريقة سواء أكان ذلك بإرادته أو غيرها، ومن هذا المنطلق يسلط الطب النفسي الضوء على العديد من الآثار النفسية السلبية التي من الممكن أن تصيب الفرد في هذه الحالة، وكيفية التخلص منها من خلال إتباع خطوات معينة تختلف في أشكالها منها الدينية أو النفسية.
ومن هنا يجب النظر إلى بيئة العمل وفحصها لكشف مدى ملائمتها نفسيًا وصحيًا للموظفين والعاملين، فمثلًا بسبب اعتماد نظام “النوبتجيات” يعاني أعضاء الرعاية الطبية من الضغوط النفسية والاكتئاب والتوتر والقلق، وكذلك العاملين بوظيفة”الكول سنتر” أو من يتعرضون لمضايقات مستمرة مما يؤدي لاضطراب في سلوكهم، ولا يُخفى على أحد حادث انتحار موظف (إلقاء نفسه من الطابق الثالث بشركة في التجمع الخامس ديسمبر 2021) الذي ذاع صيته على منصات التواصل الاجتماعي، ليكثر الحديث عن متلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي التي تحيل حياة من يعانون منها إلى ضغوط نفسية، ففي الحالة المذكورة اتضح من تحرياتها تعامل المدير بقسوة وتعسف مع الموظفين معتمدًا على نظام الكروت في العمل “لو غلطت كارت أصفر، بعدها أحمر، أسود، بعدها تترفد من الشغل”.
الضغط النفسي
نمط حياة مليء بالتغيرات وغير المألوف، تفاجئك فيها الإصابة فتحبط حماسك ولكن مع الإرادة تستعيد قوتك وعزيمتك، هكذا يمارس إبراهيم الطويل، لاعب فنون قتالية ومدرب، حياته التي لا تسير على وتيرة واحدة دائمًا فقبل الإصابة يشتعل الحماس ويزيد قوة التمرين وفتراته التي تمتد على مدار اليوم وهو ما يؤهله النفسية، ولكن مع الإصابة وخصوصًا في حال قوتها يفتر الحماس إلا لمن يملك إرادة وعزيمة يستعيد بهما نفسيته، والتي تتحكم في الشخص بحسب قوله، “طبعًا خايف متعرفش ترجع، المستوي بينزل، بس بالعزيمة والتحلي بالصبر رجعت وقفت تاني”، وبرغم تأثير الإصابة على اللاعب إلا أنه مع استغلالها بشكل صحيح، بحسب تعبيره، تزيده خبرة وحرص مع الحماس والشغف، والالتزام بعوامل الأمن والسلامة خلال التمرين.
فيما أعربت نور عادل، مدربة سباحة، عن الضغط والتسلط والتحكم الزائد الذي يمارسه المدير والمشرفون المباشرون أو من يستند إلى سلطة في تعامله مع الموظفين، حينما يُستخدم بشكل سلبي خاطئ ويتم توظيفه كوسيلة للإنتاج وعدم الإنتباه إلى سلبيات هذا الأمر، “لو ضغط عليا مش هشتغل، وبعد الوقت عشان أخلص وأطلع، عكس المشرف الداعم لما بيقف عليا بوصل لنتيجة كويسة”، فيتوقف الأمر على كيفية أداء المدير لوظيفته في الإشراف والرقابة، “أوقات بشتغل عشان فلوس أولياء الأمور، وبعلم الأطفال السباحة عشان الضرر بيقع عليهم مش على المدير، لكن حب الشغل بينعدم بسبب الضغط”.
فيمثل الدعم والتقدير أهم عوامل الإنتاج والاستمرار، بحسب ما ذكرته “مدربة السباحة” لتحقيق الأهداف “لو شغالة 12 ساعة بس المشرف كويس مش بحس بالوقت ولا بالتعب وبروح مبسوطة، عكس لو ساعتين مع مشرف مش بيقدر الجهد”، كما تواجه بعض القطاعات الرياضية كما تكشف “نور” مشكلة استنزاف طاقة المُدرب ومعلوماته مقابل ماديات تكاد تنعدم، “مش بيدوكي فلوس أول 6 شهور تحت اسم التدريب والخبرة”، أو يتم استبدال المال بإغراء تقديم شهادات معتمدة أو محتوى علمي يحتاج له المدرب، فيحاولون تحت هذه الشعارات استغلال الطاقات الشابة لأطول فترة ممكنة بدون مقابل مادي.
انعدام الثقة
سوء معاملة أصحاب العمل وسخريتهم سبب اهتزاز الثقة بالنفس والقدرات الذاتية، هكذا عبر محمد رضا، محاسب في محل ملابس، عن الآثار النفسية التي تركه عمله السابق كمحاسب في محل جزارة في نفسه وخاصةً عدم التقدير، والذي يتجاوز الحدود أيضًا ويصل إلى العنف اللفظي أو الجسدي عند ارتكاب خطأ ولو بسيط، ونظرًا للحالة المادية وكون المقابل مُرضي تسبب في قبول الوضع لحين الوصول لعمل آخر.
فما سبق توضيحه، حدث مع “محمد” الذي انتقل للعمل كمحاسب في محل ملابس بدلًا من مجال الجزارة، الذي لا يقبل أصحابه بتعليم من يلتحق بالعمل معهم “عايزين من أول ساعة شغل أفهم على طول، فطبيعي كنت بغلط كتير”، وبالتالي يتم استخدام أسلوب غير أخلاقي بألفاظ مسيئة للتقليل من شأن الفرد والتلاعب على ثقته بنفسه، فبالرغم من تعامل محمد رضا الدائم مع الأرقام والحسابات إلا أنه بسبب تكرار النقد “وصلت لمرحلة إن لو طفل ف البيت بيحل مسأله مش برضى أساعده خوفًا من إني أغلط”، ولكن حاليًا مع وجود تقدير من صاحب العمل الجديد تمكن محمد من تجاوز مشكلة انعدام الثقة بالذات.
نظرة المجتمع لطبيعة العمل واعتباره ذكوري من أكبر الأزمات التي تواجه “دنيا أحمد”، مسئولة تمويل في إحدى شركات تمويل المشروعات متناهية الصغر، والتي تمتهن عمل ميداني قائم في الأساس على الصنايعية والحرفيين والبائعين، فبالتالي يصعب في أغلب الأحيان التعامل معهم وهو ما يستنزف طاقة كبيرة في محاولة للصبر والتفاهم، ولكنه يفشل غالبًا بسبب حدة الرد من الفئات المذكورة مسبقًا ومحاولتهم فرض سيطرة وهو ما يظهر في طريقة المناقشة، والتي تلجأ فيه الفتيات العاملات في هذا المجال إلى الرد بنفس الطريقة مما يمثل حرب نفسية شديدة الوطأة عليهن، والذي تزداد آثارها مع قلة تقدير الرؤساء للجهد المبذول “المعظم شايف إن شغلك معمليش حاجة مميزة في الأساس”.
طبيبك النفسي
تقول إيمان موندي، الأخصائية النفسية، أن هناك العديد من المراحل الانتقالية للإنسان، وبكل منها ينتقل بها الفرد من حال إلى حال آخر كحالة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة أو من منزل إلى منزل، ومن ضمن هذه المراحل مرحلة الانتقال من العمل إلى التقاعد، أو من عمل إلى عمل آخر، وتلك المراحل تسبب لديه العديد من الآثار النفسية والتي يكون معظمها سلبي.
وتتابع “الأخصائية النفسية” بأنه حينما يترك الفرد عمله فإن أول ما يعانيه هو المسئولية المادية الواقعة على عاتقه؛ مما يسبب فرط في التفكير لكيفية مجاراة ظروف الحياة دون عمل، كما أنها تسبب حالة انعزال عن العالم؛ لأنه يعيش حالة عدم تصديق الأمر الواقع المفروض عليه، بالإضافة إلى معاناته من القلق والخوض والسلبية في التعامل مع كل من حوله نتيجة لذلك.
وأضافت موندي أنه هناك مجموعة من الطرق التي تجنب الفرد الدخول في حالة اكتئاب شديد، منها أنه عليه أن يعرف أولًا لماذا ترك وظيفته، هل بسبب التقصير في العمل أم أن مكان عمله أراد التخفيف من أعداد العاملين، أم أن سبب تركي لها بكامل إرادتي ومن هنا يأتي الحل الأمثل للمشكلة وهي مواجهة الأسباب التي أدت إلى ذلك الأمر، وإن لم يستطع الفرد الوصول إلى حل لابد له من أن يملأ وقت الفراغ لحين العثور على عمل آخر ولا يترك ذاته لوحشة الفراغ القاتل.
سلاح ذو حدين
واسترسلت “اخصائية الطب النفسي” حديثها مؤكدة أن الأسرة هي الداعم الأول للفرد في هذا الأمر، إن كان على سبيل المثال رجل حديث الزواج ولديه طفل وترك وظيفته، تأتي الضغوطات عليه من هذا المنطلق لأنه هو ولي الأمر والمسئول عن الماديات، بينما إن كان الفرد الذي ترك وظيفته مازال في كنف أسرته وهم يعلمون عنه أنه غير مستقر في أي وظيفة يقبل عليها يأتي الضغط من هذا الأمر لأنهم يضغطون عليه ليعثر على عمل آخر، بينما إن كان الأمر بغير إرادته تبدأ أسرته في دعمه والتخفيف من وطأة الأمر عليه، لذلك الأسرة هي سلاح ذو حدين تلعب على وتر التخفيف من الآثار السلبية لترك العمل أو زيادتها.
الأفكار الانتحارية
ونصحت “موندي” بأن هناك خطوات معينة يقدمها الطب النفسي للتعامل مع الحالات التي لديها أفكار انتحارية، وهي استخدام سلاح الصبر والتأني، أو بمعنى أصح الخطوات الدينية، والإيمان التام بأن الرازق هو الله، فترك العمل أو البقاء بداخله ليس نهاية الحياة، ولكن لابد من الوقوف على الأسباب الواضحة وإصلاحها والسعي من جديد، أما فيما يخص أصحاب المعاشات “سن انقطاع الحياة” كما يتردد فيما بينهم حتى فيما يخص الوظائف الحيوية الخاصة بأجسادهم، فهم أكثر عرضة للتعرض للاكتئاب بعد ترك عملهم الذي دام طوال سنوات عمرهم، فلابد من وجود الألفة من جانب أسرتهم ومراعاة نفسيتهم، والاطمئنان المستمر على أحواله للتخفيف من عوارض الأمور السلبية.
وتختتم حديثها لكل من يعمل بأن يكون مؤمن بما يعمل، وأن يستمر في السعي، وأن يشخص أي فرد لديه تلك الأفكار التي تراود الذهن في مرحلة ترك العمل بأنها ما هي إلا أفكار شيطانية لأجل وضع هدف التطوير من الذات.